لا أظن أن أحدا يتمنى زوال نعمة الأمن والاستقرار، أو أن تتعرض بلاده ومؤسساتها لأزمات تهدد كيانها وأمنها واستقرارها، وإذا استطلعنا الأحداث المتواترة والتهديدات المتسارعة وتدهور الأوضاع من حولنا في المنطقة وجب علينا العمل بجدية لإعادة النظر في استعداداتنا لمواجهة الأخطار والتهديدات القادمة، وأصبح لزاما علينا العمل بجدية لعمل تقدير موقف مدروس لمواجهة مثل هذه التهديدات وتوضيح كيفية الاستعداد لها، ويجب أن نخطط لأسوأ الاحتمالات حتى نتجنب نتائج الكوارث الناتجة عنها، أو على أقل تقدير تخفيف حجم الخسائر عند حدوثها.
لماذا تهتم الدول الواعية بأهمية إدارة أزماتها؟ ولماذا تخصص ميزانيات ضخمة لعلاجها ويكون جل اهتماماتها في وضع الحلول المناسبة لها؟ وللإجابة على هذه التساؤلات يجب أن نعيد التذكير بالمفهوم المبسط والمختصر لإدارة الأزمات وهو «توقع ودراسة التهديدات والمخاطر التي قد تحدث في المستقبل سواء كانت طبيعية أو غير طبيعية، والتي من شأنها التأثير بشكل سلبي على أمن ومصالح واقتصاد واستقرار الدولة، ووضع الدراسات والخطط اللازمة للتصدي لها، كذلك تخصيص الميزانيات المناسبة لمعالجة التداعيات السلبية عند حدوثها، وأخيرا مراجعة الدروس المستفادة وتقييم الوضع وتحديد أوجه القصور في التطبيق إن وجدت وتصحيحها».
والدول الواعية تدرك أن الأزمات لن تطرق الأبواب أو تستأذنها بالقدوم، فعنصر المفاجئة من أبرز سمات حدوث الأزمات والكوارث، حيث انها تضرب وتدمر وتخرب دون سابق إنذار، سواء كانت على شكل حروب أو كوارث طبيعية أو حرائق أو انتشار أوبئة وغيرها، وقد تكون مدة الأزمة قصيرة ولكن نتائجها مدمرة إذا لم نستعد لها، ومن هنا تأتي أهمية التنبؤ بتوقيت وكيفية حدوثها ووضع الدراسات والخطط اللازمة لمواجهتها، وأحيانا تكون هذه الإجراءات غير كافية لمعالجة هذه الأزمة حسبما تم التخطيط لها، خاصة إذا لم تكن هناك جدية في الاستعدادات أو لم تتوافر قاعدة البيانات والمعلومات اللازمة والكافية عن شكل أوتوقيت الأزمة أو كيفية حدوثها.
من الطرق المثالية في التخطيط الجيد والمدروس لاتخاذ الإجراءات الصحيحة هو تكوين قاعدة بيانات لإدارة الأزمات ويجب أن تتم بشكل مسبق في وقت السلم والهدوء بعيدا عن ظروف التأزيم، لأن اتخاذ القرارات من قبل المسؤولين على جميع مستوياتهم أثناء حدوث الأزمة عادة يشوب نتائجها التخبط، وعدم التركيز وتفقدهم التحكم على زمام الأمور بسبب عدم قدرتهم على التحكم بسبب تصاعد الأحداث والتي قد تنتج عنها خسائر فادحة مادية وبشرية، تؤدي إلى شلل في تفكير المخططين وأصحاب القرار ويؤدي إلى تفاقم الأزمة وتخرج عن نطاق السيطرة، ومن أفضل الأمثلة على ذلك ما عاشته الكويت فجر يوم الخميس المشؤوم في 2/8/1990 وما حدث من تخبط وفوضى وخسائر على جميع المستويات العسكرية والسياسية وضاعت الكويت في ساعات، ولم نعتبر.
ومن أفضل السبل التي تساعد على وضع الحلول المناسبة للأزمات التي قد نتعرض لها هو إنشاء إدارة أو هيئة متخصصة لإدارة الأزمات، وتدعيمها بفريق من المتخصصين والمخططين أصحاب الشأن والخبرة، ممن لهم علاقة مباشرة بالموضوع ويكون تعيينهم بعيدا عن المجاملة والمحسوبية، لأن أمن البلد يعتبر خطا لا يمكن تجاهله أو الاستهانة به، ويجب الإطلاع على تجارب الدول والتي لها ظروف جغرافية وسياسية مشابهة لظروفنا لاكتساب وتبادل الخبرات، ويجب أن يوضع من ضمن خطط التطوير التركيز على التدريب على المستوى الداخلي والخارجي، وعمل تمارين لخلق ظروف تشبيهية للأحداث المتوقع حدوثها قدر الإمكان، وعلاج المشاكل التي قد تحدث أثناء تطبيق التدريب، والبحث في أسبابها ووضع الحلول المناسبة لها، وتدعيم اللجنة أو الهيئة بموازنة خاصة تتناسب مع مستوى الأزمات والتهديدات تساعدها على تحقيق أهدافها. والله المستعان.
[email protected]