يلعب تجار الإقامات دورا كبيرا في الإخلال بالتركيبة السكانية وفي تدمير النظام الأمني في الكويت، وهدفهم الأول والأخير هو التكسب الشخصي والمادي، ضاربين بمصالح الكويت وشعبها عرض الحائط، غير آبهين بما تخلفه هذه التجارة من آثار سلبية على المجتمع الكويتي، متناسين كل القيم الإنسانية والدينية والتي تحرم الاتجار بالرق والبشر، فمن خلال بعض العقود الوهمية أو الحكومية الرسمية يحصلون على «كوته» أو تصريح لجلب العمالة الوافدة، سواء كانت من الجنسيات العربية أو الآسيوية، ويتقاضى تاجر الإقامة مبالغ نقدية تتراوح من 1500 الى 3000 دينار من كل عامل لإعطائه عقد عمل في الكويت، هذا خلاف ما يتحمله العامل من مصاريف الإقامة السنوية أو التحويل لكفيل آخر والتي تتراوح من 300 الى 500 دينار لكل عامل، والعقود الحكومية تمنح الشركة الفائزة بالعقد تقريبا 1000 عامل، وبحسبة بسيطة يكون نصيب كل تاجر إقامة لا يقل عن 3 ملايين دينار للعقد الواحد، يمتصها من دماء هذه العمالة.
ولو نظرنا إلى الفئة الأولى من العمالة ولأن عقودهم وهمية يسرحون في الشوارع مباشرة بعد وصولهم إلى الكويت ليقوموا بالبحث عن فرصة عمل، وغالبا يجدون صعوبة في الحصول عليها نظرا لتدني خبراتهم أو مؤهلاتهم العلمية، ولعدم وجود أي مهارات فنية لديهم، وعندما تضيق بهم السبل يلجأون لارتكاب الجرائم والسرقة ويجتمعون أحيانا لتشكيل عصابات لسرقة المحلات والمنازل في سبيل الحصول على حاجتهم، ما يؤدي إلى رفع مستوى الجريمة وعدم الشعور بالأمن والأمان في مجتمعنا.
أما الفـــئة الثانية والذين حصلوا على عـــقود رســمية وغالبا ما يكون ضحاياها من الــفئة الكادحة، وهم من يشغلون الوظائف الدنيا في القطاع الحكومي والخاص، ويمكن مشاهدتهم على سبيل المثال كعمال نظافة ومناولة وكمراسلين وحراس أمن وغيرها من هذه الوظائف، فلو بحثنا كيف وصل هؤلاء العمال إلى الكويت لوجدنا أنهم باعوا كل ما يملكون ولجأوا للاقتراض لتسديد الرسوم التي يفرضها تجار الإقامات حتى يمكنهم الحصول على عقد عمل في الكويت، يتراوح معدل راتبهم الشهري من ستين إلى مائة وعشرين دينارا رغم أن بعضهم يحمل شهادات جامعية، وللعلم فإن رواتبهم التي تتسلمها الشركة المشغلة للعقد من الحكومة تعادل ضعف ما تصرفه للعامل، وتقوم الشركة بإسكانهم في بيوت أو عمارات شبيهه بـ «الزرائب»، أجلكم الله، يعاملون أسوأ معاملة ويحشر كل ستة عمال في غرفة لا تتجاوز مساحتها 3×3 امتار، علما أن هؤلاء بشر لديهم عوائل وأطفال في المدارس وأحيانا عندهم مرضى ينتظرون كل شهر وبفارغ الصبر تحويل نصيبهم من راتب عائلهم المغترب لسنوات بعيدا عن أهله لقضاء حوائجهم وتسديد ديونهم أو مصاريف علاجهم، وفي أغلب الأحيان يمر عليهم شهران وثلاثة وأحيانا أكثر دون أن تصرف رواتبهم، فماذا تتوقع أن تكون ردود أفعالهم؟ وتتعقد الأمور أكثر عندما يلجأ بعضهم للاقتراض بفوائد مرتفعة لتسديد التزاماتهم، ويقوم العامل أحيانا بدفع مبلغ من المال لـ «الفورمان»، وهو مسؤول العمالة في الشركة لكي يعطيه فرصة للعمل شفت ثاني، ويعمل لمدة 16 ساعة يوميا، وأحيانا تجده يعمل بعد ذلك سائقا في مطعم أوعاملا في قهوة وبراتب يومي ليزيد من إيراده، والنتيجة يذهب في اليوم التالي للعمل دون راحة أو نوم فتجده متعبا أو نائما في مقر العمل بسبب عدم الراحة، ويضطر بعض ضعاف النفوس منهم إلى السرقة أو الاحتيال لكسب قوت يومهم.
هــؤلاء المظـــلومون والذين يتمتع تجار الإقامات بامتصاص دمائهم، وخــاصة تحت الظروف الراهنة التي نعيشها الآن بسبب فيروس كورونا هم ضحية جشع الذين يعيثون في الأرض فسادا والذين يستحقون توقيع أقصى العقوبة بحقهم ودون رحمة، والمشكلة أنهم معروفون للهيئة العامة للقوى العاملة، ولوزارة الداخلية على وجه الخصوص، ولكنهم من علية القوم، ممنوع الاقتراب منهم، ولا حياة لمن تنادي، وتكفيهم دعوة المظلومين والتي ليس بينها وبين الله حجاب، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «دعـوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه».
[email protected]