بقلم د. عبدالرحمن عبدالله العوضي
نعم ما يدور هذه الأيام حول موضوع إسقاط الديون الاستهلاكية أو فوائدها أو غير ذلك من الأساليب لإعطاء من لا حق لهم ممن أخطأوا في حق أنفسهم أولا وفي حق إخوانهم الذين لم يقترضوا أي مبالغ للأمور الاستهلاكية ومن حق الأجيال القادمة، هذا الأمر الذي سيتحول في نظري إلى فتنة نحن في غنى عنها، ولدفع هذا البلاء سيظل كل فرد منا ممتنعا عن دفع أي ديون للحكومة على الناس كالكهرباء والهواتف وغير ذلك فهم يطمعون بعد أن تتراكم هذه الديون ويكبر حجمها، ويعجز المواطن عن دفعها بسبب تراكمها في أن تقوم الحكومة بدفعها بدلا عنهم. وهكذا دواليك في أي أمر يكون المواطن مدينا ويمتنع عن دفع هذا الدين فالحكومة ستحل محله وتفك دينه.
الأمر بطبيعة الحال لا يتعلق بحجم الدين، لأن الأمر يتعلق بنوع الدين حيث إن الفرد ذهب عن طيب خاطر وعن جشع وطمع وحمل نفسه بالديون الأكبر من طاقته، وبطبيعة الحال تعاونت معه البنوك وتعزز باستعداد الدولة بأن تدفع ديون كل مقصر. وهذا الأمر لم نجده قد حصل في أي بلد في العالم حتى في البلاد الشيوعية التي كانت الحكومة تسيطر على جميع مصادر الدخل. وإذا طمع الناس في ثراء فاحش دون أن يعلموا بذلك، وانتظروا من الحكومة أن تتكفل بهذه الديون، نكون بذلك قد زرعنا فيهم الطمع، ولم نكتف بتسديد ديونهم لأنهم سيطمعون في المستقبل في الأمور الأكبر والأخطر حتى لو كان على حساب الكويت.
يا ناس، يا مسؤولين، يا أعضاء مجلس الأمة، هل تعلمون ما نقوله، إنها في نظري جريمة في حق الشعب لأن المسيء يكافأ دائما والملتزم بالقوانين يتحمل أعباء تصرفاته، أي اننا نزرع في المجتمع حساسية خاصة ستكبر وتنفجر في وجه المسؤولين لأنهم قد أوقعوا الظلم على غالبية الشعب الملتزم والأمين. وهذا بطبيعة الحال يخلق الحقد والشعور بالظلم الذي سيؤدي حتما إلى الثورة على الظلم.
ورغم هذا الوضع الحساس بالنسبة للكويتيين، نجد أن هناك فتنة تثار بين فترة وأخرى بالنسبة للوافدين. فكل يوم نسمع تصاريح عجيبة غريبة منها من يريد تخفيض عددهم بحوالي مائة ألف سنويا ومنهم من يريد أن يضع قيودا على حياتهم الشخصية كالزواج من اثنتين مثلا ويفرق بين الكويتي وغير الكويتي حتى في سعر البترول وكأنهم لم يجدوا طريقا أفضل لإظهار الاحترام والتقدير للوافدين الذين على سواعدهم بنينا الكويت، وسنظل نحتاج إلى أعداد أكثر مما هو موجود إذا كنا نحلم بالمشاريع الخيالية التي نسمعها من تحويل الكويت إلى مركز مالي، وحاجتنا إلى بناء عشرات الآلاف من المساكن، وما نحتاج إليها من مرافق عامة من مدارس ومستشفيات في الوقت الذي نزرع فيهم الخوف وعدم الاهتمام بالكويت التي تستحق الجيد منهم، وكثير منهم بذل من الجهد على مدى سنوات طويلة لخدمة الكويت على أمل مكافأته بالحصول على الجنسية الكويتية.
إنه نفس التناقض الذي نعيشه مع أولاد المطلقات الكويتيات من غير الكويتيين حتى يصلوا إلى سن 18، وعند وصولهم إلى هذا العمر لا نعاملهم ككويتيين بل نعيدهم الى جنسيات آبائهم من غير الكويتيين. وهذا يتناقض مع ما نجنسهم من غرباء لا علاقة لهم بالكويت أو الكويتيين ويصبحون عالة على الدولة. وهذه العملية تزيد عدد المطلقات من الكويتيات بالإضافة إلى حالات الطلاق المبكر بين الكويتيين، كما سيتحول حب الكويت بين أولاد المطلقات إلى كره للكويت.
مثل هذه الأمور تتكرر في الكويت، ودائما أتعجب كيف أن الكويت تخلق مشاكل بيدها لنفسها، وبعد ذلك سنقضي الأيام والليالي في كيفية حل هذه المشاكل. وينطبق علينا المثل الكويتي الذي يقول: « بو متيح مدور الطلايب ». ولقد مر علينا في الكويت مثل هذه المطبات الخطيرة التي أدت إلى تفرقة المجتمع بدءا بكيان الكويت وسكانها، والتذكير من هؤلاء السكان كما هو الحال بقضية البدون الذين هم أصلا غير كويتيين واخترعنا هذه التسمية الخطيرة التي حاولت مرارا كوزير للتخطيط أن ألغيها ونسمي كل فئة باسمها، ولكن لا أعلم ما هو السر الذي يمنع الحكومة من إنهاء هذه القضية واعتبارهم غير كويتيين وتعطى الجنسية الكويتية لمن تنطبق عليه شروط التجنيس؟ وتزداد الخطورة لأن ما سميناهم «بدون» قبل خمسين سنة هم غير البدون الذين يعيشون معنا الآن. ولكن هذا هو ديدن الكويت تغرق نفسها بالمشاكل وتحوس وتتورط وتدخل في حيص بيص ولا تجد الحلول بسهولة.
هل يا ترى سنستمر على هذا الوضع حتى تضيع منا ملامح طريق المستقبل، لا نعرف الفقير من الغني، والكل مدعي الثروة وبنوكنا وقوانيننا لا تحد من تجاوز القروض وتشارك الحكومة في وقوعها في المشاكل، ويجب على الحكومة ان تحل مشاكلها أولا بدلا من أن نساعد الحكومة في إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشاكل فكم مرة وقعت هذه البنوك في مطبات كادت أن تغرق فيها وأسعفتها الحكومة.
يا ناس، فكوا عن هذا الأسلوب، وأعدوا العدة للمستقبل الذي أرى معالمه مع الأسف الشديد غير واضحة، وغير معبدة لأنه بيد المتلاعبين والمتنكرين والذين تمكنوا من استغلال ظروفنا والاستفادة منها دون النظر على ما يقع من ضرر على الكويت.
إنني أعتقد بالفعل أن مثل هذا التصرف سيفتح علينا أبواب جهنم، وعندها ينطبق علينا المثل: «إذا فات الفوت، ما ينفع الصوت ». والكثير من المتربصين بالكويت تحلو لهم هذه النتيجة، ويكفيهم ما يكسبون. أما الكويت فلا يهمهم ما يصيبها من دمار.
ليس هذا تشاؤما، ولكنني أرى هذه النهاية بوضوح إذا استمر الأمر على ما نحن عليه. ودعاؤنا إلى الله الهداية والثواب والتوفيق إلى طريق الخلاص من الورطة الكبيرة التي أوقعنا أنفسنا بها، والتي تهدد كيان كويت المستقبل، والأمر في نظري كما قلنا خطير ويجب الوقوف بقوة ضد كل من يحاول أن يجر الكويت إلى هذه الهاوية.
وكان الله في عون حضرة صاحب السمو الأمير الذي بيده دفة السفينة يقودها في هذا البحر المتلاطم والأهواء والأعاصير الخطيرة التي تنتظره. ودعاؤنا له بالتوفيق.