تركيا أجبرت إسرائيل على الاعتذار مرتين قبل أيام قليلة، وذلك على خلفية إساءة نائب وزير الخارجية الإسرائيلي للسفير التركي لدى تل أبيب، والتي تعمدت إسرائيل إيضاحها لوسائل الإعلام بعد استدعاء الخارجية الإسرائيلية لممثل تركيا، إثر عرض التلفزيون التركي مسلسل «وادي الذئاب» الذي يفضح ممارسات رجال الاستخبارات الإسرائيلية. الاعتذار الإسرائيلي جاء وفقا لشروط تركيا وبعد تهديدات حكومة أنقرة بسحب سفيرها من هناك، ومن الواضح أن إساءة اسرائيل لسفير تركيا لم تكن إجراء غير مدروس، وإنما كان بالون اختبار لقياس مدى صلابة وردة فعل الأتراك.
هذا الحدث وعلى الرغم من عدم أهميته لدى الكثيرين، إلا أن المتتبع لشؤون الشرق الأوسط بشكل عام والشأن التركي ودور تركيا المتعاظم في مجريات الأحداث بشكل خاص، يشعر بأهمية هذا الاعتذار ومغزاه. فإسرائيل بدأت تستشعر بأن تركيا أصبحت غير مهتمة بتدعيم العلاقات بينهما على حساب دول الجوار، فالسياسة الخارجية لتركيا باتت تنفتح بشكل لافت للنظر مع جيرانها، وباتت تمد جسور التعاون مع هذه الدول ومع قوى إقليمية أخرى كروسيا وفرنسا. كما أن الحكومة الإسرائيلية لن تنسى أبدا ردة فعل حكومة أنقرة، خصوصا رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، عندما أبدت امتعاضا شديدا ولهجة عنيفة كرد فعل على مذبحة غزة في العام الماضي.
ومن الواضح أن العلاقات التركية ـ الإسرائيلية تضررت نتيجة لتلك الحرب التي شنتها إسرائيل على أهالي غزة، فأنقرة أعلنت صراحة رفضها لتلك الحرب ولحصار قطاع غزة. وبات جليا لإسرائيل أن القلق العربي من العلاقات التركية ـ الإسرائيلية قد تبدد في عهد أردوغان. فتركيا اليوم تهتم كثيرا بأن تلعب دورا أساسيا ومحوريا تجاه العديد من القضايا الإقليمية، وصارت تركز كثيرا على مد جسور التعاون بينها وبين العراق وسورية وإيران. كما أنها أبدت ديبلوماسية يشار إليها، عندما لعبت دور الوساطة بين دمشق وتل أبيب من جهة وبين طهران والغرب من جهة أخرى. فهذا الاعتذار عزز من ثقة تركيا بنفسها، وأكد للجميع أن رفضها للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد أتى بثمار عديدة، وأهمها هو اتضاح أهمية الوجود التركي على الساحة الإقليمية بالنسبة لإسرائيل وهذا ما فسرته سرعة مبادرة تل أبييب إلى تقديم الاعتذار لأنقرة.
الدرس المستفاد من هذا الاعتذار بالنسبة للعرب، هو ضرورة المبادرة إلى الالتقاء مع تركيا في منتصف الطريق، والسير بخطوات أكبر نحو مد مزيد من جسور التعاون بينهم وبين الأتراك. كما أنه لابد من دعم العرب للدور الديبلوماسي التركي، من أجل أن يتخذ مساحات أوسع للتحرك للعب دور أساسي وفاعل في قضايا الشرق الأوسط، سواء كان ذلك على ملفي القضية الفلسطينية والصراع العربي مع اسرائيل، أو من خلال ملفات العراق وسورية، أو من خلال ملف العلاقات الإيرانية بدول الغرب على خلفية برنامج طهران النووي.
[email protected]