استكمالا لمقالتي السابقة «محطات في عالم البدون» التي لن تنتهي، أردت هنا أن أكمل رسم صورة تلك المحطات التي تجسد حجم المعاناة الإنسانية، والتي لاتزال ترتسم معالمها على وجوه أبناء ونساء وأطفال وشيوخ غير محددي الجنسية، هذه المعاناة الناتجة عن قسوة العيش والحرمان من الحقوق الإنسانية، بدأت تحفر وتنخر في جسد أطفال البدون حتى صارت تشوه هذه المرة ليس وجوه هؤلاء الأطفال فقط، وإنما بدأت تشوه سمعة ووجه الكويت الحضاري والإنساني.
فقد نقلت إحدى الصحف المحلية خبرا عن مصدر صحي في وزارة الصحة، أن سبب ارتفاع حالات الإصابة بمرض الحصبة بين أطفال الجهراء خلال الفترة الأخيرة، كان بسبب عدم تطعيم أطفال البدون ضد هذا الداء جراء عدم حصولهم على شهادات ميلاد، فهل آن لمسؤولي وزارة الصحة أن ينتبهوا إلى أضرار عدم حصول الطفل على شهادة ميلاد؟ وهل ظهر لهم الوجه الآخر لمعاناة البدون؟ وكيف أن هذه المعاناة قد انتقلت واستنسخت لدى فئات أخرى من المجتمع الكويتي، هذا هو الوجه الآخر- إن صح هذا الخبر- لحرمان أبناء البدون من توثيق زواجهم ومن حصولهم على شهادات الميلاد وغيرها من الوثائق الرسمية، والتي سبب عدم حصول أبناء البدون عليها أن تنتقل فصول المعاناة إلى أناس آخرين لا ذنب لهم، هذه الصورة الإنسانية التي بانت معالمها للجميع في الجانب الصحي، يمكن قياسها على جوانب أخرى كالجانب الأمني مثلا، جراء عدم تسجيل أجيال وأجيال عديدة من أبناء البدون في سجل الدولة المدني والأمني، ألا ترغب وزارة الداخلية في إحكام الأمن في البلاد والسيطرة عليه ومتابعته بشكل علمي وموثق؟ وهل يعقل أن يتواجد المئات من الشباب المراهق في دولة متطورة مثل الكويت دونما أن يكون لهم أي مرجع مدني وأمني؟ هذه المعاناة وهذه الصور الإنسانية التي بدأت تطفو على سطح الحياة الاجتماعية للكويت، لا أعلم متى ستكون سببا ودافعا لأعضاء مجلس الأمة كي يتحركوا بشكل جدي لدفع الحكومة بأن تضع حدا لهذه المعاناة!
وقت مستقطع:
تسلمت، عبر البريد الالكتروني، مناشدة من أحد الأخوة حول مسألة تجنيس العاملين البدون في شركة نفط الكويت، وتبين هذه المناشدة كيفية مساهمة «بدون النفط» في عجلة التنمية الاقتصادية للكويت مع إخوانهم الكويتيين منذ خمسينيات القرن الماضي، وأنهم قدموا للكويت خدمات جليلة في هذا المجال عبر ما سطروه من كفاح وجهد، هذه الأحقية لا تختلف عن أحقية أبناء البدون الذين خدموا في السلك العسكري وغيره من المجالات التي أثبتوا خلالها تواجدا ملحوظا يعرفه جميع أهل الكويت، ولا ينكره إلا من لديه أجندة خاصة يرغب في تطبيقها للضغط على الحكومة من أجل مصالح انتخابية واجتماعية.
[email protected]