تلعب أحكام القضاء في كل الأمم دورا بارزا في إصلاح المجتمعات وتغيير ثقافاتها السائدة، وهذا ما كان في أحكام القضاء الكويتي الشامخ في الآونة الأخيرة، كحكم قضية مقتحمي الوطن الذي نأمل ان يكون له الدور الأبرز في تغيير مسار الحياة السياسية والاجتماعية في الكويت، وان يلعب دورا مهما في الظروف الضبابية التي يمر بها وطننا العزيز.
لقد أرسل هذا الحكم ضوءا ساطعا في النفق المظلم الذي كنا نسير باتجاهه، ودلنا على الطريق الذي يجب ان تسلكه المجتمعات المتحضرة، كما بدد الإحباط الذي تملكنا على أحوالنا، وأبدله بتفاؤل وطمأنينة شاعت في النفوس، ولا بد هنا ان نشير إلى أهم ما يستفاد من هذا الحكم المهم:
٭ أكد هذا الحكم حقيقة لا لبس فيها الا وهي انه لا احد فوق القانون، سواء كانوا أفرادا او جماعات، وعلى الجميع ان يعي ويحترم هذه الحقيقة.
٭ ان هذا الحكم سيكون له أثر كبير في تغيير مسار ثقافة بعض أفراد المجتمع التي سادت لزمن حتى كادت ان تكون هي الثقافة السائدة رغم خطورتها، ونعني هنا ثقافة تحدي القانون، والخروج عما تعارف عليه هذا المجتمع الآمن المتسامح.
٭ لقد أعاد الحكم الحكماء وأصحاب العقل الراجح من أهل الكويت الى مكانتهم في المجتمع، وأظهرهم للواجهة، بعد ان شنت عليهم حرب شعواء فانزووا وهم يتحسرون على ما حل بوطنهم وأبنائهم، بعد ان تسيد الساحة نفر يقتاتون على التحريض وإشعال الفتنة بين أبناء المجتمع، ويعيشون على بث خطاب الكراهية، ويلوون الحق والحقيقة لأجل مصالحهم.
٭ لقد أزال الحكم الغمة عن عقول بعض المغرر بهم من أبناء الوطن، مما سيمكنهم من التدقيق في اختيار من يمثلهم في مجلس الأمة القادم لا من يمثل عليهم سعيا لتحقيق مصالحه الخاصة.
٭ لقد أكد هذا الحكم ان ثقافة اخذ الحقوق بالقانون هي التي يجب ان تسود في المجتمع، وإن كان هناك من اختلاف في الرأي فيجب الا يتطور الى خلاف، يجب ان يظل الاحترام والود قائما بين مكونات المجتمع وشرائحه، لأن ذلك هو الضمانة الأكيدة لسلامة الوطن، وان ثقافة السب والشتم والافتراء والتحريض التي ينتهجها البعض ظانا انها السبيل للنجاح والشهرة، نأمل ان تنكفئ، وان يرعوي من يروجها ويراهن عليها، وان يتقي الله في أبناء وطنه.
ولقد عزز من اهمية هذا الحكم صوت العقل الذي صدح به أهالي من حكم عليهم بالسجن وذلك من خلال بيانهم الرائع الذي نشر في الصحف، وسمع دويه المتكسبين المؤزمين وصم آذانهم.. كما أكد على ذلك حكمة ملاك جريدة وتلفزيون «الوطن» الذين فوتوا الفرصة على من حاول ان يصطاد بالماء العكر ووجهوا لهم صفعة شاهدها كل أبناء الكويت، وهي بذات الوقت رسالة عسى ان يفهمها ويعيها جيدا كل من اتخذ من نشر ثقافة الكراهية وتحدى القانون عقيدة له.
وبقي أمران الأول: انه بات ضروريا ان يعمل جميع المخلصين من أهل الكويت في ان تفرز الانتخابات القادمة جيلا جديدا من السياسيين يمحو ما خلفته شخصانية بعض السياسيين من آثار سيئة على المجتمع، جيلا يعلي مصلحة الوطن والمواطنين، لا مصالحه الشخصية أو مصالح جماعته، جيل ينشر لغة الاحترام والانتقاد البناء، ويلغي لغة الحقد والكراهية وألفاظ السب والشتم التي هي غريبة على مجتمعنا، جيلا يحترم قاعة عبدالله السالم وينأى بها عن الإسفاف في القول والممارسة.
والأمر الثاني: على الحكومة ان كانت جادة في الاصلاح ان تسارع بإصدار قوانين الوحدة الوطنية وهيئة مكافحة الفساد، وتعزيز استقلال القضاء وحمايته، وتوفير جميع الضمانات للقضاة ليؤدوا رسالتهم النبيلة في تعزيز سيادة القانون ومكانته في المجتمع، وان تعمل على تطبيق القانون وتكافؤ الفرص على الجميع وبين الجميع دون تمايز او محاباة والإسراع في تنفيذ المشاريع التنموية المجمدة والتي طال انتظار المواطنين لها.
وتحية تقدير وإكبار لرجال قضائنا الأجلاء الذين يثبتون يوما بعد يوم انهم خير من حمل الأمانة وخير من تحمل المسؤولية.