ان من أسوأ الهواجس التي يعيشها الإنسان بين حين وآخر شعوره ان مستقبله ضبابي لا ملامح له، فما بالك ان عاش هذا الهاجس خوفا على وطنه، وأحسب ان عددا من المواطنين يعايشون هذا الهاجس يوميا وبالأخص عندما يرون الصراعات على المصالح الذاتية مستمرة ولا يرى لها نهاية في الأفق وكأن لسان حال المتصارعين (خذ ما اتخذ) قبل ان تنتهي الكويت او قبل ان ينضب نفطها، لذا لو سألت عددا من الكويتيين: كيف ترون مستقبل بلادكم في ظل هذه الصراعات اللانهائية؟ سيأتيك الجواب بعد وجوم وأسى لا ارادي يكسو الوجوه، انه معتم! وسيكون جواب أشد المتفائلين انه بلا ملامح! والمطلعون على واقع الكويت اليوم لن تفاجأهم مثل تلك الآراء، لأنهم يعرفون ان الحاضر لا يحمل اي ملامح متفائلة للمستقبل، فدولة الرفاه سمعة بلا واقع ويقال انه صدرت لها مؤخرا شهادة وفاة، فالدولة بخيلة في الداخل بخلا مقيتا، كريمة في الخارج، أكرم من حاتم الطائي في زمانه، بنية تحتية مهترئة، خدمات أساسية متدنية، رواتب الغالبية العظمى من الموظفين مكانك قف، الديون وأقساطها الأبدية تكسر ظهور 90% من المواطنين وبالأخص من الشباب ومن ذوي الدخول البسيطة، والحكومة واقعة في حيص بيص في كيفية حل هذه المشكلة المزمنة والمنغصة لحياة الآلاف من المواطنين، الأسعار صواريخ يطلقها التجار دون باتريوت حكومي يتصدى لها، دولة تستورد العمالة وشبابها يعاني من البطالة، وآباء وأمهات قلقون على مستقبل أبنائهم، جرأة متزايدة في مخالفة القانون وارتكاب الجرائم دون خوف او وجل، فساد يزكم الأنوف ولا محاسبة، الواسطة سيف يغزو به من يملكه الوزارات والمؤسسات لتخطي الآخرين، ولا عزاء لمن لا يملك مثل ذلك السيف.
وتطبيقا لمبدأ «ان حبتك عيني ما ضامك الدهر»، التعيينات والترقيات تتم بالبراشوت، ويكافئ الكسول والذي لا يعمل، ويحارب المجد المخلص في عمله، التنمية أحلام يقظة، وصندوق الأجيال القادمة والاستثمارات الخارجية تحت رحمة الأزمات العالمية ورهن لأمزجة الدول الكبرى، واقع الجيل الحالي وجيل المستقبل تململ، وتذمر، وتنمر، وغضب مكتوم، كيف لا ومعظمهم يعيش على الكفاف، لا يرون بصيص أمل في ممارسة حقهم في التمتع بثروة بلادهم، التي أصبحت في نظرهم مثل بيض الصعو يسمعون بها ولا يرون لها أي أثر على أرض الواقع، ولكنهم يشعرون انه تتم هندسة طرقها لتصب في مسارات محددة.
وبعد.. ان من لديه ذرة تفاؤل في مستقبل البلاد في ظل الأوضاع الحالية، عليه ان يفسر ظاهرتين، الأولى سفر الكويتيين وبكثافة او بالأحرى هروبهم خارج البلاد في الاجازات والعطل او كلما سنحت لهم الفرصة، ويعودون وهم معجبون بما شاهدوه في بلاد أقل من بلادهم امكانيات وثروة، وهم في ذات الوقت يتحسرون لأنهم لا يرون مثله في كويتهم التي يعشقون، والثانية هي لماذا يتحمل الكويتيون الديون من أجل شراء بيوت وشقق خارج الكويت، حتى ان انتشارهم في بقاع الأرض أصبح ملتفا للقاصي والداني، وهي خطوة تشير بوضوح انهم يبحثون عن الأمان في الخارج ان ضاقت بهم السبل يوما في بلادهم لا سمح الله!
أيها السادة هذا غيض من فيض، وهو ليس بشطحات قلم، بل هو القاء ضوء على ظاهرة حقيقية ملموسة، يعيشها عدد كبير من المواطنين وتشغل تفكيرهم، قلقين على مستقبل بلادهم وأولادهم، الذي يرون انه ضبابي وبلا ملامح، ومن ينكر هذه الظاهرة احسب ان تفكيره والنعامة سواء!