جو الكويت ليلا في الوقت الحالي الأجمل خلال السنة، ليس هو بالبارد ولا هو بالحار، الجلوس فيه بين أربع جدران خسارة، أفضل شيء تقضيه فيه هو ممارسة (الحداق)، هدوء لا يتخلله إلا الصوت الطربي لتضارب الأمواج باليابسة، وحديث الحداقة بين بعضهم على (الأسكلة)، لا أمارس هواية صيد السمك بهدف الصيد، إنما هي طريقتي للتأمل وإعادة النظر بأمور الحياة، فنصيبي من الصيد نفس نصيب الذئب من دم يوسف.
الأربعاء الماضي ذهبت للوطية لممارسة الهواية، كان يجاورني اثنان يبدو على أحدهما أنه مصري في الأربعينيات والآخر كويتي في الثلاثينيات، ولأن المكان هدوء، فحتى لو لم ترد أن تسمع ستسمع الكلام الدائر بينهما، ومن خلال الحديث اتضح لي أن الكويتي هو من فئة البدون، صحيح أن المجالس أمانات ولا يحق لي أن أذكر ما قالوه بينهما خصوصا أنهما لا يعلمان أنني كنت أصغي إليهما (قاط إذني)، لكن أبرر لنفسي نقل بعض الحديث على أمل أن يكون خطوة لتغيير الحال إلى الأفضل.
قال البدون مخاطبا صديقه المصري: تدري يا أبو كريم لو عندي فلوس شسوي؟، جان شريت التفافيخ الكور إللي فيهم ليتات، اللي يشيلونها اليهال بأيديهم، عرفتهم؟، رد عليه: آه عرفتهم.
أضاف (البدون): جارنا ولد صغير هو (بدون) بس أصله سوري، عنده بسطة هالكور وإشوية ألعاب، كل يوم يرجع البيت معاه عشرين ثلاثين دينارا.. نعمة، كل عايلتهم جذي عندهم بسطات، شغالين صح، ومضى يشرح كيف يجب عليه الهرب من البلدية في حال رآهم، ويعدد مزايا وعيوب حلمه.
مؤمن وبقوة بأن الأحلام والإصرار على تحقيقها هو أهم ما تملكه الشعوب من موارد طبيعية، ومؤمن كذلك بأن المجتمع يتطور بتطور أحلامه فكلما علا سقف هذه الأحلام كلما تطور، وكلما هبط سقف هذه الأحلام سقط المجتمع وهوى، وأنه كلما مهد المجتمع الطريق لتحقيق أحلام أفراده كلما علا السقف، محزن جدا أن يكون شخص ولد وتربى وتعلم في بلدي الكويت، تضيق به السبل حتى يصبح حلمه أن يكون صاحب بسطة تكلفتها لا تزيد على خمسين دينارا، وفوق هذا تلاحقه البلدية أينما ذهب وهو في عمر الثلاثين، العمر الذي يكون فيه الرجل بدأ بحصاد تعبه في الدراسة والعمل، وبداية الاستقرار النفسي والأسري.