العادات العربية الرائعة في احترام وإكرام الضيف واستقبال الأهل والأصدقاء في المجالس أو الديوانيات أمر أصيل في مجتمعاتنا الشرقية، ويحمل جانبا ترابطيا جميلا وتجمعا عفويا لسلطة «رابعة»! كما أنها تعد مجالس حوارية ناقدة ضمن أي مجتمع متحضر راق وهي جزء من الثقافة الشعبية العربية الموروثة.
وهذا «اعتبار اجتماعي» بالاستضافة والاحترام يقدمه صاحب المضيف أو الديوان لمن يأتي إليه ولمن يتم إدخاله في هذه المواقع.
في بلاد الغربة «الخارجية» تتفجر مسألة «الاعتبار الاجتماعي» للفرد في شكل ملحوظ وضمن نطاق محسوس، حيث تختفي تراكمات تاريخ الشخص وعائلته وأصوله، فهو في مكان لا يعرفه فيه أحد وضمن دولة مختلفة وشعب آخر، وتختفي جذور الإنسان الأرضية وصلاته ومعارفه.
وما ذكرناه عن الاعتبار الاجتماعي ليس نتاج «لحظة زمنية واحدة» بل هو حالة تراكمية ترتبط بمخزون ذكريات المجتمع «الأم» نحو «فرد» و«عائلة» أو «قبيلة» فهنا عاش وهناك تربى وجغرافية الوطن تحتضن أجداده وقصص آبائه وصراعات طفولته وأحاديث أصدقائه، وهذا ما يصنع مكانة واحترام وتقدير تختفي عند الانتقال إلى جغرافيا مكانية مختلفة ليست له فيها جذور، وهذا الأمر يلاحظه من يعيش «مهاجرا» خارج وطنه، أو مبتعثا للدراسة أو «هاربا» لأي سبب من الأسباب.
فهؤلاء فقدوا مجالهم الحيوي «للاعتبار الاجتماعي»، فالـناس غير الناس والبلد غير البلد، فالغربة ليست وطنا ولن تكون وطنا! وهذا ما نلاحظه في حالات الإحباط والحزن والأسى عند الكثيرين من الذين يخرجون إلى «غربة خارجية» بعيدا عن الأرض ويقطعون جذورهم حتى وان كان يتمتع بالوفرة المالية!.
والأسوأ هو فقدان الاعتبار الاجتماعي في «غربة داخلية داخل الوطن» وبين الأهل وضمن المحبين والأصدقاء!
قد تكون الغربة «الخارجية» مؤقتة، فالإنسان يعود إلى أهله ووطنه، ويتصل مع جذوره من جديد فيستعيد ما فقده، ولكن المأساة هي في «الغربة الداخلية!»، فعندما يسقطك الناس من موقع الاحترام ومن بوابات الترحيب والتهنئة في الاستقبالات والمضايف والديوانيات والمناسبات، فهذا الأمر هو أقسى من حكم الإعدام ولا ينفع معه مال «موجود» أو نفوذ لمنصب أو سلطة لموقع.
هنا السجن الحقيقي وحكم الإعدام النفسي المدمر، الذي يجب ألا يحصل أو أن يكون عند اختلاف القناعات لهذا الرأي أو ذاك، فمن المستحيل أن تتطابق وجهات نظر كل البشر، وفي الأول والأخير فالعائلات والقبائل واحدة والحالة العروبية الأصيلة في استقبال الضيف يجب ألا يلغيها اختلاف في وجهات النظر من هنا أو موقف لقضية من هناك أو قرار من هنالك.
السياسة يجب ألا تكون سـببا لـ «عزل إنسان»، فالعروبة وعاداتها هي أرقى من ذلك وأسمى.