كثير من الأحيان قد تدرك بحدسك، أنك فاهم نفسك، كاشف ذاتك، وبصورة لا حدود لها، إلى ان يأتيك يوم ما، تشعر وكأن هناك حقيقة لازلت تجهلها، حقيقة على مر الدهور والأيام كنت غافلا عنها.
حقيقة قد تكون مليئة بـ (الرغبة، النزاهة، التركيز، القرارات، التوجهات)، لكنك للأسف لم تكن تعرفها، وقد لا تعرف معها حتى البعض من ذاتك، وكالضائع تصبح ما بين الشيء واللاشيء! أي القصد بـ «أحيانا» هنا، بأن ليس من الضرورة أن تجهل كل تلك الجواهر الرائعة التي قد تختلجك وتختلج كل ما في داخلك، والتي لو عرفتها عز المعرفة، لا افتخرت بها بكل عزة ورفعة وشموخ، ولكن يحصل ذلك أحيانا كما ذكرت! وهي جواهر لو توصلت إليها، لن ينقصها إلا أن تقوم بصقلها وبشرحها وان تصيغها لتتناسب مع لغتك واستراتيجيتك، بل وقد تغمرك بإحساس فريد من نوعه، احساس يشعرك وكأنك شخص مميز مختلف عن غيرك، شخص خلق لشيء ما في هذه الدنيا التي يعيش فيها، ولكن احرص في هذه الأثناء على أن تكون بعيدا عن التبجح الكبرياء.
أما صقلك للغتك واستراتيجيتك، فتيقن بأن سيكون لها الأثر البليغ والكبير حتى على: (عملك، عائتلك، معارفك، روتين حياتك).
فعلى سبيل المثال: عرف الشاعر الكبير المتنبي، بأنه فذ لظهور الذات المعتدة والمستوعبة بنفسها، وذلك كونه واثقا منها وعارفا مكامنها، لما كانت اغلب قصائده وحكمه نابعة من عمق معرفته لكيانه ونفسه، فقام بصياغتها لنا، إلى ان صادفت هوى نفوس الملايين من البشر منا، فأصبح وكأنما يعبر عما في نفوسهم، فقال في احدى قصائده مفتخرا:
أمط عنك تشبيهي بما وكأنه
فما أحد فوقي ولا أحد مثلي
كما كان فطنا لماحا أيضا، وسرعان ما ينتشل نفسه من وهدة اي مكان شبيه بمستنقع قذر، قد يتسبب في تلويث سمعته، مبادئه وتلويث شخصه، ليبقى شامخا ولا شيء يزعزعه، متجاهلا، مبتعدا عن كل ما قد يثير الشكة حوله، ومن ثم يتسبب له باليأس والإحباط، فيصبح من السهولة كسره وتحطيمه، بخلاف ان ذلك سيبعده عن تنميته الشخصية والذاتية وتوجهه الإيجابي، لذا قال أيضا:
أنا ترب الندى ورب القوافي
وسمام العدي وغيظ الحسود
أنا في أمة تداركها الله
غريب كصالح في ثمود
فحين تكون مستوعبا وبشكل صحيح لنفسك بكل ما تحويها، يستحيل ان تكون صاحب ثقة مهتزة، يستحيل ان تبخس قيمتها وقيمة كل ما قد يجعلك متفردا، مختلفا به عن غيرك.
فلقد ذكر الله -عز وجل- العديد من الصفات التي تميز الإنسان، وتجعله منفردا بها، وكل شخص منا عليه ان يبذل الجهد للوصول إليها والبحث والالتفات بشكل جدي لها.
لذا يقال: (معرفة النفس على حقيقتها ستبقى خارج نطاق إدراكك على الدوام)، ولذلك هناك الكثير من الأسئلة والتي قد تجول بخاطرك، لو توصلت بالشكل الصحيح لإجاباتها، لطورت وتكيفت مع ظروف حياتك السابقة وحتى الجديدة، كما ستجعلك تتمسكك بمبدئك الأساسي والذي من المفترض أن يجعلك تتغلب على جميع نقاط ضعفك، لتتجنبها وتتحاشاها بقدر المستطاع كي لا تستسلم لها.
وشيئا فشيئا سترتقي بكل ما أوتيت من ثقة وقوة وأمل، لكل ما يجمل مقامك ومكانتك.