في كثير من الأحيان قد لا نفلح باتباعنا لأفضل الأساليب والتصرفات مهما حاولنا، بأمور عدة نخوضها في حياتنا، فتنتابنا حينها مشاعر غريبة تهز وجداننا وتهزنا.
ومجبرون نحن وإن مررنا بما مررنا، أن نتصالح مع ذواتنا، ونحاول معرفة مكامن خللنا، علنا نكتشف ما نجهله فينا، ولكي نعطي لأنفسنا فرصة لنولد من جديد، قبل مسارعتنا باللوم والشجب والاستنكار.
كما علينا أيضا (بالإدراك) وما أدراك ما الإدراك، تلك الخصلة الخالية من الشوائب، التي بفضلها نستطيع أن نتجنب كل شيء يبدو ظاهريا بالنسبة لنا، جميلا، بهيجا، مغرياً، لكنه باطنيا هو مغموم ودميم.
وكي لا نتمرد ونضخم تخيلاتنا، وننعش آمالنا، ونجعلها فضفاضة اكثر من اللازم، وبالتالي نصعق من مدى سجيتنا، وإلى أي حد أوصلتنا.
ولكي نضع نصب أعيننا، بأننا لسنا سوى كتلة من المشاعر والأحاسيس الهشة، وكتلة من العواطف والذكريات.
فحتى ابسط الكلمات تؤثر بنا، فبكلمة واحدة قد نفرح، نسعد، وتُرسم البسمة على وجوهنا، وبكلمة أخرى قد نُجرح، ننزعج، نغضب ونسخط.
وأيا كان ما يختلجنا، ففي النهاية يبقى هو محصلة سنجنيها، مع وابل من الإيضاحات التي ستزيل تلك البقع الداكنة، التي تربعت في جوفنا وأدمغتنا، كتربع الشمس في مدينة كادوقلي، بعدما كانت بالكاد تطل على أهلها من خلف أكوام من السحب والغيوم، لتنذرهم بيوم ممطر.
وسننجرف بعدها طواعية وراء كل ما هو عميق ودفين، كالمستودع المؤجل، الذي عادة ما ينجلي وبشدة بين التوازي والتناسب، الحضور والغياب، المحجوب والمفتوح.
فالإدراك، هو من يضع النقاط على الحروف، ووحده الذي يجعلنا أن نفعل كل ما هو نافع لنا، ووحده أيضا الذي من خلاله قد تتبدل مشاعرنا (من، إلى)، وان شعرنا به متأخرا، لكن يكفينا بأننا أدركنا.
الإدراك، سواء كانت حقيقته (حلوة أم مرة)، إلا انه يرصد مشاعرنا، ويجعلنا نكتشف كل ما هو مزيف أو صحيح من حولنا.
كثيرة هي الأشياء التي لا تدوم إلى الأبد معنا، لكن، وان لم تدم، نستطع بإدراكنا استبدالها، وعدم الرجوع إليها.
فنحن في هذه الدنيا، كالخريف الذي يبهت وتبدأ أوراقه بالسقوط، لكن، هذا لا يعني اقتراب أجلنا، ولا يعني أن نكون على وتيرة واحدة. بل يعني أن نهيئ أنفسنا، لتلك الأوراق التي ستنبت من جديد لنا، لبداية النهاية، في خريف آخر جديد باهر ومزهر.
قال الفيلسوف الانجليزي جون لوك: الحواس والمدارك هما النافذتان التي ينفذ منهما الضوء، إلى هذه الغرفة المظلمة أي العقل.
كما قال الفيلسوف الفرنسي اندري لالاند: الإدراك هو الفعل المنظم الذي ينظم به الفرد، إحساساته الحاضرة مباشرة.