يقول أحد علماء النفس والاجتماع، من لم يتعلم أن الاعتراف بالذنب فضيلة، لم يتعلم أن يكون رأسه في السماء، فهو تعلم فقط أن يكون خشمه في السماء، ومن كان خشمه في السماء، لا يعترف أبدا بذنبه.
وفعلا، هو لم ولن يعترف بذنبه، ذلك الشخص الذي اعتاد أن يكون خشمه مرفوعا إلى السماء دائما، فتناسى بأن الاعتذار عن أي ذنب هو قيمة جليلة من قيم الدين والأدب والأخلاق، وله منابع يجهلها الكثير، عديدة ومختلفة، لا تتوافر عادة إلا في الشخصية الناضجة، العاقلة، المتزنة، التي تمتلك قوة نفسية هائلة، كبحت جماح نفسها، فسلس لها قيادتها، وتغيب في المقابل غيابا كليا، من الشخصية اللئيمة، الوقحة، الجاحدة، المتهورة.
لذلك، قلما نجد إنسانا يواجه الآخرين بخطئه تجاههم ويعترف به، وان اقترف الكثير من الأخطاء في حقهم، سواء كان هذا الخطأ من خلال كلمات تلفظ بها، أو تصرفات متسلطة فعلها، أو حتى بنبرة صوت حادة قاسية كشفت النقاب عن مكنونها.
فصار الأغلب للأسف يفتقر إليه، لا يجيده ولا حتى يتقنه، خصوصا في هذا الزمن الذي تعالت به الأصوات، وكثرت فيه الخلافات والمشكلات، والتي عادة ما تمر علينا بشكل عابر، لكن سرعان ما تتحول تحولا جذريا، لترسم لنا ملامح معينة، لابد من استيعابها.
فهو سلوك راق جدا وإيجابي، ويعتبر علامة من علامات الشجاعة والثقة بالنفس.
ولا يعتبر نقيصة أو عيبا كي يستحي البعض منه ويستثقله، أو يظن بأنه جرم في حقه، أو تذليل واستخفاف لكبريائه وشخصه، إلى ان خيل له بأن الاعتذار حكر فقط على الشخص (المخذول، المجروح)، لذا وإن طال الأمد تجد أولئك البعض يكابرون وينتظرون أن تكون المبادرة والاعتذار وطلب المسامحة منه وليس منهم، وإن لم يكن مخطئا.
وتلك المكابرة وحدها من تعكر صفو اغلب علاقاتنا بظنون هوجاء، وهذا هو ما يفتح للشيطان بابا ليسعى في تحقيق مآربه.
فيكفي بالاعتذار أن نصحي غفوة أفكارنا، ونوقظ ضمائرنا، لنهدئ الأرواح المتألمة، ونزيل الغضب العارم في الأنفس الحزينة، ونجبر الخواطر المكسورة الدفينة قبل ان تصبح صعبة الاندمال.
وليس بعيب عندما تقول، آسف لأنني جرحتك أو خذلتك، آسف لأنني أسأت الظن بك، آسف لأنني أخطأت كثيرا في حقك، آسف لأنني بمعاملة سيئة عاملتك، آسف على تلك المفردات المنكودة التي ألقيتها على مسامعك، لكن العيب الحقيقي هو مراوغتك وتبريراتك المبهمة على أخطائك.
ولسوء الحظ لا يعد هذا أمرا مثمرا على الإطلاق، كما أنه يمنعنا من تكوين علاقات جديدة، ويعوقنا عن محاولة تطوير أنفسنا.