أحيانا وأنت في ذروة صدمتك، يرزقك القدر بصديق، اعتقدته الصدوق لك، قربته من قلبك، واحتل كامل احترامك وحبك، وأخذ حيزا كبيرا من اهتمامك، ووضعت فيه كامل ثقتك، وظننته مكانا لكلماتك وسرك، إلى أن أصبحت ترى العالم من خلاله، ولم تتخيل بيوم، ان يكون مثل غيره يجرحك او يخذلك، فكم تغنى هذا الصديق بصفاته النبيلة، ونواياه الصافية تجاهك، فصدقته وأوهمت به نفسك، وكان هو في باطنه لا ظاهره يخدعك.
وفي معظم نقاشاته يحدثك عن زمننا الذي نحيا ونعيش فيه، وما يعانيه من دناءة بعض البشر، فهذا حاسد، حقود، وذاك ناقص، ساذج، غيور، وهذا مزاجي متقلب، وذاك «محدث نعمة» متغنج، هذا طبعا بخلاف النرجسي الخبيث، الذي لا يرى إلا نفسه.
ونسي هذا الصديق، ان يحدثك عن «المنافق» الذي يقول مالا يفعل، ويظهر عكس ما يخفي.
لتكتشف بعد مرور الأيام والأعوام، أن الدناءة وكل تلك الصفات الذي تطرق لها، متغلغلة حتى النخاع فيه، وكانت بمنزلة تحديدا لملامح شخصيته الفارغة، والمهمشة بالتقدير.
فما هو إلا شخص كاذب، لا يعرف قيمة الصداقة الحقة ولا يقدرها.
وكيف لا!
لطالما انه ينهار ويتأزم، بمجرد ان يسمع بكلمات المدح والاطراء، تقال لك او لغيرك، كونه على يقين تام، بأن مثل تلك الكلمات، يجب ألا تقال لشخص غيره، وهذا غيض من فيض تصرفاته ورجسه!
لذا كثيرا ما تجده يتحدث عن نفسه المسكينة، التي أرهقها بتنافس وتزاحم كريه وبغيض، لما يعانيه من شعور سطحي، وسلوك مقزز مذموم، والذي أوضح من خلاله، عن نزعاته الطفولية، وطيشه الذي تعدى طيش المراهقين.
وهكذا شخص: لو وضعت الشمس في يمينه، والقمر في يساره، لم ولن يكون في يوم من الأيام صديقا حقيقيا لك او حتى لغيرك، فـ«ما جدوى أزهار تثمر! لا يأكلها إلا لهب الشمس؟»، كم قال الأديب ميخائيل نعيمة.
فالصداقة الحقيقية، هي اكبر من ان تكون انانيا، خالقا لنفسك جوهر التفرد والتميز، غارقا في هيمنتك الدنيوية الباطلة، التي اعمت قلبك، الصداقة ليست بسباق تحد، أو منافسة ليكن هدفك منها فقط، اشعار الطرف الآخر بأنك الأفضل، الأروع، الأرقى، الأسنى، الأعلى منه.
فهل تعتقدون جديا بأن من تغاضى وتغافل عن غروركم ونعراتكم، كما قال الله تعالى (صم بكم عمي) لا يفهمون؟ فلما لم يكونوا متأملين ان مع مرور الزمان، سيزاح عنكم ذلك الركام، لتخرجوا من سوادكم، ويجلو ضوء ظلمتكم، وان كنتم لا تستحقون!
Twitter: @A_F9966