معظمنا لا يشعر بقيمة وقته، مستسلما لعشوائيته، لا تنظيم، لا اهتمام، لا مسؤولية أو عامل مهما، لذلك يتغلب عليه الشعور بالسأم والملل، فيومه كأمسه، وأمسه كغده.
ولكن متى ما استطاع كل إنسان، أن يتخلص من ذلك الشعور، ويتحلى بتلك القناعة التي يحتاجها فإنه سيبتعد عن العجلة والتسرع والاستسلام، وسيتغلب ومن دون شك على سأمه وملله، ذلك طبعا حين يرضى بما قسمه الله سبحانه وتعالى له، ومن ثم سيعرف أيضا كيف يتحكم بوقته ليشعر بقيمته، ذلك من خلال قوة إيمانه وشدة إصراره، وحسن فكره وتدبيره.
فقط لو تعمق قليلا وبحث بجدية داخل نفسه، سيجد الكثير من تلك الأمور التي ستجعله يغير نظرته، وتحفزه على تنظيم لخبطته وعشوائيته، كما ستجعله يكسر روتينه الراكد، ليصحح مساره الذي عود نفسه عليه فاعتاده.
ففي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب»، وهنا أشار رسولنا الكريم في حديثه لنقاط عدة، من ضمنها الشره على الدنيا والازدياد منها، لأن تلك النقطة هي وحدها التي تجعلك تشعر بذلك، لذا سرعان ما يشعر الإنسان في كثير من الأحيان، أن من الصعب جدا أن يجد ما يرضيه ويسعده، وأن ضجره يبعده، فينطفئ وهجه وهيامه، ويرفض الخروج من سأم واقعه.
فينسى كل الأمور اللافتة الجميلة التي تحوم حوله، فلا يشعر بها ولا حتى بلذتها، من أبسطها إلى أعظمها.
أمور لو حاول ولو بالشيء القليل التعمق فيها، لتخلص وبكل سهولة من كل ما سيطر عليه، وحبس نفسه به، فأوقفه عن الجريان أياما، شهورا، بل أعوام! ذلك لأنه أوهمه بأن جميع احتياجاته قد سدت، وكل متطلباته قد توافرت إلى أن أشبعت، فحجبت نور الحياة عن بصره، فلذلك بالنسبة له قد انتهت! على عكس لو كان حذقا متبصرا فعلا، يستحيل أن يقف عند حد معين، بل سيكون متحفزا أكثر، وسيبحث عن كل ما هو جدير بتجديد حيويته ونشاطه، إلى آخر رمق من عمره، لا أن يتأفف ويضيع بالتذمر ثمين وقته ولحظاته، وكأن حال لسانه يقول، ليس هناك جديد يستحق بعد!
يقال: «ولو أحسن سليمان، لما زرع شجر الفاكهة، لينتفع بها ابنه من بعده»، فلو استرخيت بهدوء ووسعت نطاق فكرك، ستفك إغلالك ولن تهمل ذلك المجال الواسع الذي أمامك، والذي كان ومازال في انتظارك، يريدك أن تراجع بكل عقلانية جميع أمورك وأشيائك، سواء شعرت بالاكتفاء والملل، أو مررت بمواقف وظروف بسببها تشوه وجه إحساسك، فجعل الشقاء يساورك ليوقفك ويحبس أنفاسك.