لم يعد المواطن يستغرب من بالونات الاختبار التي تطلقها الحكومة بين فترة وأخرى من أجل قياس ردة الفعل على أي قرار تريد إصداره ويكون له تأثير مباشر على المواطن والمقيم.
فبسبب القرارات الارتجالية التي تصدرها الحكومة تعود المواطن عليها وأصبحت هذه القرارات في نظره هي العمل الأساسي الذي تقوم به الحكومة، فلا يستغرب منها، بعكس القرارات المدروسة جيدا والتي تكون في صالح المواطن وتحقق له التنمية والرفاهية فهي في نظره أصبحت العمل الاستثنائي للحكومة الذي يتعجب منه.
ومن بالونات الاختبار التي أطلقتها الحكومة مؤخرا لقياس ردة فعل الشارع الكويتي زيادة أسعار الوقود بعد إلغاء الحكومة الدعم عنه.
فقد أعلن قيادي في وزارة المالية أنه تم الانتهاء من وضع دراسة سحب الدعم الحكومي عن الوقود وزيادة أسعاره وأرسلت الدراسة لمجلس الوزراء للاطلاع عليها وإصدار القرار المناسب، وبعد فترة لا تتجاوز ثلاثة أيام نفى قيادي آخر هذا الخبر بعد أن جست الحكومة نبض الشارع الكويتي لهذا القرار، وهذا هو نفس السيناريو الذي اتبعته الحكومة عندما ألغت الدعم عن الديزل، ما يعني أنها فعلا ستقوم بهذه الخطوة التي حتما ستنعكس سلبا على المواطن الكويتي حالها حال قرار إلغاء الدعم عن الديزل حتى لو حاولت الحكومة نفي ذلك وأن القرار لن يضر المواطن ولن يرفع الأسعار الخدمية والسلعية عليه.
فقرار رفع إلغاء الدعم عن الديزل وزيادة أسعاره رفع أسعار مواد البناء، ما أثر سلبا على المواطن الكويتي خاصة أن هناك أعدادا كبيرة من المواطنين تُبنى لهم مساكن في المناطق السكنية التي وزعتها الحكومة مؤخرا بعد أن ظلوا ما يقارب خمسة عشر عاما وهم ينتظرون حصولهم على هذه المساكن.
أما قرار إلغاء الدعم عن البنزين فإن تأثيره على المواطن سيكون أشد وطأة كونه متعلقا بجميع نواحي الحياة المعيشية التي يحتاجها المواطن من خدمات ومواد سلعية وغذائية لأن وسائل النقل في البلاد مرتكزة على البنزين فإذا ارتفع سعر البنزين ارتفعت أسعار النقل وإذا ارتفعت أسعار النقل ارتفعت معها أسعار السلع والخدمات التي تستخدم النقل، والمتضرر هو المواطن والمقيم.
وما يحزننا هو تأييد عدد من التجار وأصحاب الشركات لهذا القرار مثلما أيدوا قرار إلغاء الدعم عن الديزل على المواطن، وبعد أن رفعوا أسعارهم ضغطوا على الحكومة فأرجعت الدعم على الديزل لهذه الشركات ولهؤلاء التجار بحجة أن إلغاء الدعم مباشرة عنهم سيؤدي إلى رفع أسعارهم أضعافا مضاعفة ويتضرر المواطن، وهم فعليا رفعوا الأسعار وتضرر المواطن والحكومة تتفرج.
وقد صرح عدد من أصحاب الشركات بأن إلغاء الدعم الحكومي عن البنزين سيوفر على الدولة ملايين الدنانير التي بواسطتها تستطيع أن تواجه العجز المتوقع في ميزانيتها بسبب انخفاض أسعار البترول المصدر الرئيسي للدخل في البلاد، ولكنهم في الوقت نفسه هاجموا قرار الحكومة في زيادة رسوم القسائم الخدمية والتجارية والحرفية والصناعية المؤجرة على الشركات والتجار بأسعار رمزية بحجة أن زيادة هذه الرسوم ستؤدي إلى زيادة الأسعار وسيتضرر المواطن، علما أن قسيمة مساحتها سبعة آلاف متر في منطقة الري مثلا دخلها السنوي كما يقول مدير عام الشركة الأولية للتقييم العقاري بندر الحميدي يصل إلى مليون ونصف المليون دينار كويتي وإذا زادت الحكومة سعر الرسوم ليصل إلى تسعة دنانير للمتر الواحد نجد أن رسومها السنوية لا تتعدى ثلاثة وستين ألف دينار حيث لا تأخذ هذه الرسوم إلا ما يقارب 4.2% من الإيراد السنوي وهذا دليل على عدم تضرر أصحاب هذه القسائم من رفع رسومها.
بدا واضحا لدى المواطن مدى حرص التجار على تجارتهم وعدم المساس بأرباحهم على حساب المواطن حتى ولو ضغطوا على الحكومة لتعويضهم أو دعمهم مثل دعم الحكومة لبعض الشركات المتضررة من الأزمة المالية العالمية، وكذلك عندما طالب مجلس الأمة السابق بزيادة قيمة القرض الإسكاني الممنوح للمواطن من 70 ألف إلى 100 ألف دينار وقف التجار في وجه هذا القرار حتى تم تبديله بقرار زيادة قيمة القرض الإسكاني على شكل دعم الحكومة بعض مواد البناء فأصبح هذا القرار في صالح التجار، وكذلك دعمهم لقرار زيادة سعر الديزل ومحاولتهم الضغط على الحكومة لإصدار القرار بربط بدل الايجار الذي تقدمه للمواطن الذي لم يحصل بعد على سكن حكومي بعقد إيجار سكن استثماري وذلك لإجبار المواطن على السكن في العمارات التي يملكونها وإذا استمرت الحكومة في الاستسلام لضغوط التجار فستخلق جوا من الفئوية وستتآكل الطبقة الوسطى التي تحفظ الاستقرار الاجتماعي في البلاد.
al_sahafi1@