الكل في الكويت يشتكي من الفساد الإداري وإهدار المال العام، الوزير يشتكي والمواطن يشتكي وعلى أثر هذه الشكاوى تحل الحكومة ويغادر الوزراء مناصبهم وتتشكل حكومة جديدة ويأتي وزراء جدد دون أن يتوقف الفساد أو يتوقف الهدر في المال العام وكأن هاتين الصفتين أصبحتا من السمات الملاصقة للحياة اليومية في وزارات ومؤسسات الدولة لا تستطيع أن تسير الأمور بدونها، ولهذا لم نعد نستغرب من سماع ومشاهدة هدر المال العام والتخبط في اتخاذ القرارات في أي جهة حكومية، بل أصبحنا نستغرب سماع ومشاهدة الإنجاز والتطور.
ومن الأمور التي لم أستغرب منها كمواطن خبر تأجير وزارة التربية لعدد 81 ألف جهاز تابلت لمدة 3 سنوات بقيمة 26 مليون دينار والسبب في عدم استغرابي هو أن غالبية الأعمال التي تقوم بها مؤسسات الدولة هي بعقود إيجار بل والكثير من مباني مؤسسات الدولة هي مؤجرة وليست ملكا وكأن الحكومة عاجزة عن بناء مبان خاصة لمؤسساتها المتنوعة!
وإذا رجعنا إلى خبر تأجير أجهزة التابلت فإن هذا التصرف ليس بمستغرب على وزارة التربية والتعليم لأن حالها حال وزارات الدولة الأخرى في التخبط الإداري وعدم المبالاة في هدر المال العام، فهي من نفذت مشروع الفلاش ميموري الذي كلف على الدولة ما يقارب 260 ألف دينار لم يستفد منه لا الطلاب ولا المعلمون ولا التعليم بل فشل المشروع وتوقف نهائيا، كما أنها صاحبة تنفيذ مشروع السبورة الذكية التي كلفت الدولة ما يقارب أربعة ملايين دينار ومع ذلك لم يستفد منه لا الطلاب ولا المعلمون ولا التعليم أي شيء منها بل إن الكثير منها أهمل دون استخدام حتى تلفت.
وهي أيضا صاحبة مشروع الواي فاي الذي لازال يترنح بسبب التخبط وعدم التنسيق بين إدارات الوزارة والدليل على ذلك التخبط أن الوزارة قامت بتركيب شبكة الواي فاي في بعض المدارس منذ سنتين قبل أن توفر أجهزة التابلت لاستخدام الشبكة، وقد انتهى عقد الصيانة الخاص بشبكة الواي فاي دون أن يستفيد منه لا الطلاب ولا المعلمون ولا التعليم نفسه وتتحجج بعض المصادر في وزارة التربية بأن سبب فشل هذه المشاريع ولجوء الوزارة لاستئجار أجهزة التابلت يرجع إلى عدم استقرار الوضع في الوزارة خلال السنوات الماضية نتيجة للتغير المستمر لقياداتها وهذه الحجة في نظر المواطن حجة واهية فهي مثل الرماد الذي يذر به على العين حتى لا ترى السبب الحقيقي المتمثل في عدم وجود رؤية ولا رسالة واضحة ومكتوبة ولا أهداف استراتيجية وخطط عمل مرتبطة بهذه الرؤية والرسالة يستطيع أي مسؤول أو موظف العمل على تنفيذها حتى ولو تغيرت القيادات لأن العمل المؤسسي الناجح قائم على الخطط المكتوبة وليس على الأفراد. كما أن الواسطة والمحسوبية والشللية والبطانة المقنعة وعدم وجود تنسيق بين إداراتها أدى إلى إصدار قرارات متخبطة أهدرت المال العام، وإلا هل يعقل أن وزارة التربية لا يوجد فيها مركز لنظم المعلومات؟!
طبعا الجواب لا، ففيها مركز لنظم المعلومات وفيه موظفون متخصصون في نظم المعلومات فلماذا لا تقوم الوزارة إن وجدت فعلا أن تنفيذ مشروع التابلت سيفيد الطلاب والمعلمين والتعليم بشراء هذه الأجهزة لتصبح ملكا لها ويقوم مركز نظم المعلومات بالإشراف على صيانتها وصياغة البرامج التي يحتاجها التعليم في الكويت خاصة أن تكلفة شرائها أقل بكثير من استئجارها؟! وبعملية حسابية بسيطة نجد أن (26000000 د.ك ÷ 81000 جهاز تابلت = 320.983 د.ك) أي أن قيمة الجهاز الواحد يكلف 321 دينارا إذا جبرنا الكسر وبعد ثلاثة سنوات تأخذه الشركة بل إنه في حالة تلف اي جهاز فإن وزارة التربية ملزمة بتعويض الشركة عن قيمته. ولكن في حالة قيام الوزارة بشرائه مباشرة فإن قيمة الجهاز في السوق تتراوح ما بين 120 و200 دينار للجهاز أي (81000 جهاز تابليت × 200 د.ك = 16200000 د.ك) ستة عشر مليونا ومائتي ألف دينار. أي وفرنا على ميزانية الدولة تسعة ملايين وثمانمائة ألف دينار. ومع ذلك كله لن نستغرب فشل المشروع إذا طبق بفترة قصيرة بسبب التخبط في اتخاذ القرارات لأن المشكلة تتمثل في عدم وجود رؤية واضحة ليس لوزارة التربية والتعليم فقط بل للحكومة ككل.
al_sahafi@