بقلم: حمود ناصر العتيبي
أشد المعاناة أن تقف على رصيف الحياة عند محطة الانتظار، تلملم شتات الذهن ملوحا لكل حافلة بالذهاب، حتى تستحضر في ذهنك أسهل إجابة وأصعبها إلى أين المسير؟ إلى أين ؟ وتمر السنون أمامك، تعاني اشتعالا قابله جمود وآلام الوثبات المشلولة، وغصة الاستعدادات المغلولة، تتجرعها ولا يتحرك فيك سوى دموعك الحارة على خديك، فإما أن تجيب أو تنتظر في مكانك، وتموت.
ومن أشد المعاناة، أن تطويك السنوات لتجد صورتك السيئة في أبنائك تراهم يلهثون وراء سراب، يلهون ويلعبون ومآلهم إلى التراب، ويطمعون ويطمحون وقد بنوا من زخارف الدنيا الخراب، لكنهم هناك، بعيدون عنك، لا يرون في قربك داعيا ولا في وصلك متاعا.. تركوك.. فقد تعلموا منك أن قيمة الحياة في حب الأنا وأن غنى الجيب هو الغنى وأن قياس الرجولة في انتهاب الملذات واقتناص الفرص وأنت تتذوق ما أذقته لوالديك، فانتبه.
من أشد المعاناة، أن يتعاظم في قلبك حب لمن تعاظم في قلبه بغضك، أن تحسن الظن فيمن أمعن في السوء، أن تملأ الإناء المثقوب، أو الكوز المقلوب والعطاء ليس لبشر، هو لرب السماء، هو لنفسك أنت، لتقديرها، لتوقيرها، لإكرامها، وأعظم الإكرام في العيش مع الكرام.
من أشد المعاناة، أن تبيع ثياب العمالقة في سوق الأقزام لتتجرع الأمرين، مرارة الزهد بما لديك، أو مرارة تمزيقها لتليق بهم .
من أشد المعاناة، أن تتهدم صروح الأفكار الكبيرة من سيول الجهالة، أن تتكاثر السطور في الغث من الأمور، أن تشرق الابتسامات للسطحي من الكلمات أن تحاك الرواية بخيوط الغواية أن يتحول السم إلى مداد، والوهم إلى عماد وأن ترى الموت جاثما على صدر العلم، وأشدها كلها في عالمنا الإسلامي، هو موت الناس والإحساس في يوم واحد.
[email protected]
humod2020@