لا يقتصر أداء وزارات الصحة الناجحة على التشخيص والعلاج فحسب، بل يتعدى ذلك إلى نشر الوعي والثقافة الصحية اللازمة لتفادي أسباب الأمراض قبل الإصابة بها، إذ بها نصنع مجتمعا سليما معافى قادرا على أداء مهامه الموكلة إليه، ونوفر في ذات الوقت مئات الملايين من الدنانير التي توجه لخدمات التشخيص والعلاج في الداخل والخارج.
من أهم ما تقوم به وزارات الصحة والهيئات الطبية الحكومية والخاصة الدراسات والبحوث القائمة على سبر أغوار انتشار بعض الأدواء واستفحالها في المجتمع والتهامها للميزانية الصحية، واقتراح الحلول المناسبة وتقديمها لمجلسي الأمة والوزراء لتخرج في النهاية على هيئة قوانين تسهم في وضع حد لأسباب الأمراض قبل وقوعها.
اقترحت هيئة الأغذية والعقاقير الأميركية منع استخدام الزيوت المهدرجة في القلي والمخبوزات والمعلبات لكونها تتسبب في أمراض القلب، وقد منعت بالفعل ولاية نيويورك الأميركية استخدامها في مطاعم الولاية، واتخذت قرار المنع أيضا دول كسويسرا والدنمارك وآيسلندا، في حين أن هذه الزيوت الضارة لاتزال تباع وتستخدم في الكويت وعلى نطاق واسع في المطاعم الفاخرة والرخيصة على السواء، وهذا بالرغم من تصريح أحد مسؤولي وزارة الصحة بأن 41% من حالات الوفيات يرجع سببها إلى أمراض القلب والشرايين، فماذا اقترحت وزارة الصحة على مجلسي الأمة والوزراء بهذا الشأن خلاف إنشاء المستشفيات المتخصصة وشراء الأجهزة والأدوية المتعلقة؟ وجميعها اقتراحات نمطية مؤقتة وليست حلولا ناجعة لمشاكل صحية تتفاقم ولا تتقلص وتلتهم الكثير من الأموال العامة والخاصة.
من الأمثلة التي تستحق الإشادة على عدم اقتصار دور وزارة الصحة على التشخيص والعلاج فحسب، ما قامت به شركة المطاحن والمخابز الكويتية بالتعاون والتنسيق مع وزارة الصحة من تخفيض كمية الملح في الرغيف الواحد بنسبة 20%، وسيتم تخفيضه 10% في الأشهر القادمة، في محاولة للحد من مرض ارتفاع ضغط الدم والذي يعاني منه 60% من الكويتيين ممن تزيد أعمارهم عن 50 سنة.
كان سبب تخفيض نسبة الملح في الأرغفة «قرار» صدر من الشركة المعنية بالتعاون مع وزارة الصحة، فما الذي يمنع الوزارة من تكرار التجربة مع جهات أخرى حكومية وخاصة؟ فكثير من الأحيان لا تكفي التوعية وحدها في التقليل من الأدواء المنتشرة وكأنها أوبئة قد تطول ربع المجتمع بأكمله أو يزيد، ولا بد من قرار فاعل يضع حدا للمبالغة في استهلاك الأغذية وسوء النمط المعيشي، فعلى سبيل المثال يكابد ربع الكويتيين مرض السكري من النوع الثاني، والنسبة ذاتها يشتكون من حساسية الجهاز التنفسي (الربو)، فلم لا تتعاون وزارة الصحة مع شركات أغذية محلية للتقليل من نسبة السكريات في منتجاتها؟ ولم لا تقترح على مجلس الوزراء إصدار القرارات الملزمة بالتقليل من نسبة الانبعاثات الكربونية الصادرة من المركبات والمصانع الحكومية والخاصة؟ والتي تجد طريقها لرئات مستخدمي الطرقات وقاطني البيوت؟
استمرار دور وزارة الصحة التشخيصي والعلاجي فقط سيضطر الحكومة إن عاجلا أو آجلا لزيادة ميزانية الوزارة بشكل سنوي وربما بمبالغ كبيرة، فضلا عن تفاقم الأمراض في المجتمع واستفحالها ما لم تتغير رؤية الوزارة لمجابهتها، وضرورة أن تنتهج طريقة استباقية في الحد من أسباب الأمراض قبل نشأتها عبر الدراسات والبيانات على أرض الواقع ومن ثم إصدار القرارات الفنية والسياسية اللازمة لخلق مجتمعا صحيا تحت عيون وزارة الصحة ومجلس الوزراء والهيئات المختصة، وإلا فترك التوعية والوقاية لشأن المواطن والمقيم لن يزيد الأمر إلا تضخما، والدراهم المنفقة في الوقاية أنفع وأجدى من مئات ملايين الدنانير المرصودة للتشخيص والعلاج في مستشفيات الداخل و«سياحة» الخارج.
* الأرقام المذكورة في المقال مأخوذة من وزارة الصحة وتصريحات مسؤوليها.
mohd_alzuabi@