محمد الخالدي
لا تكاد تسمع حديثا في أي برنامج تلفزيوني أو في لقاء صحافي في أي مكان إلا تسمع حديثا عن التراجع الكبير الذي أصاب الحرية والديموقراطية في الكويت بسبب ممارسات الحكومة، الكل بات يتحدث عن تحول غريب في مسار الحكومة التي على ما يبدو أنها تريد أن تحول الكويت إلى دولة بوليسية تقمع فيها الحريات وتكمم الأفواه وتحرم الناس من حقهم في التعبير عن آرائهم.
وإلا كيف نفسر توجه الحكومة لمنع الموظفين في القطاع الحكومي من الكتابة أو العمل في الصحافة؟! كنا نتمنى لو أن الحكومة قد وجهت همتها ونشاطها المفاجئ نحو الإصلاح الحقيقي والتنمية الحقيقية بدلا من هذا التخبط والمحاولات الفاشلة للقضاء على أهم مبادئ الدستور الكويتي العظيم وهو الحرية.
أعتقد أن الحكومة تعلم تماما أن أي محاولة في هذا الاتجاه ستكون محاولة فاشلة منذ البداية، فليس من اليسير على الإطلاق أن يتخلى شعب تربى على الحرية وتنفسها منذ البداية حتى أصبحت جزءا من كيانه ويسلم بكل بساطة لمن يريد أن يسلبه هذه النعمة.
ولكن الغريب في الأمر أن تستمر الحكومة في هذه المحاولات العقيمة دون تقدير سليم للعواقب!
الحكومة تعلم بالتأكيد، وإذا كانت لا تعلم فهذه مصيبة، أن القضاء الكويتي النزيه سينصف كل صحافي وكل كاتب يقاضي الحكومة في حال تم اتخاذ أي إجراء ضده بسبب الكتابة والتعبير عن الرأي، وحجة الحكومة أن الموظفين يفشون أسرار العمل حجة واهية ومضحكة وتدل على سذاجة كبيرة.
فأين هي أسرار العمل، هل هي بالنشرات التي يصدرها المسؤولون كل يوم وتكون مرمية على مكاتب الموظفين ويراها كل الناس؟ هل هذه هي أسرار العمل في نظر الحكومة؟ أم أنها تتحول إلى أسرار خطيرة تهدد أمن البلاد بمجرد أن يكتب أحد الموظفين رأيه فيها وينتقد أخطاء المسؤولين؟!
لقد أضاعت الحكومة بوصلة الإصلاح مع الأسف الشديد، والمواطن أصبح بلا أمل في أن يرى على أرض الواقع أي تغيير حقيقي يساهم في انتزاع البلاد من هذه العثرة في كل شيء، فلا مشاريع تنمية ولا بنية أساسية ولا تطوير في أي شيء، لا شيء على الإطلاق رغم وجود كل عناصر الإصلاح والتطوير والتقدم والنجاح.
والآن لم يبق للحكومة إلا أن تدمر ما بقي من صورة الكويت المشرقة بعد أن فشلت في البناء.
الحكومة فشلت في البناء ولن تنجح بالتأكيد في هدم قيم الحرية والديموقراطية التي جبل عليها الكويتيون وبالتالي من الأفضل ألا تفقد الحكومة بسبب هذه الإجراءات آخر ما تبقى لها من هيبة واحترام.
في عام 1909 كتب خليل مطران أبيات بليغة احتجاجا على الرقابة على الكتابة يقول فيها:
كسروا الأقلام هل تكسيرها.. يمنع الأيدي أن تنقش صخرا؟
قطعوا الأيدي هل تقطيعها.. يمنع الأعين أن تنظر شزرا؟
أطفئوا الأعين، هل إطفاؤها.. يمنع الأنفاس أن تصعد زفرا؟
أخمدوا الأنفاس هذا جهدكم.. وبه منجاتنا منكم.. فصبرا!