محمد الخالدي
نفهم حرص اللجان المختلفة في الكويت التي تعنى بالدفاع عن المعتقدات الدينية وحماية النشء والمحافظة على القيم والعادات والتقاليد الحسنة وغيرها على متابعة كل ما يمكن أن يثير القلق والخوف ويهدد كيان المجتمع، كما نشكر لأعضائها بالتأكيد غيرتهم تلك، غير أن وضع «تدريس الفلسفة» ضمن قائمة المحظورات ومحاولة الغاء تدريسها لطلبة المرحلة الثانوية أمر مبالغ فيه ولا يستدعي كل هذا القلق والخوف من «زعزعة الإيمان وتقويض الدين» كما يرى بعض أعضاء لجنة استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، على الرغم من أن منهج الفلسفة الذي يدرس للصف الثاني عشر في القسم الأدبي لا يرتقي للمستوى المطلوب ولا يقدم مادة علمية مناسبة، الا أن الحل ليس في الغاء تدريس الفلسفة تماما بحجة أن الفلسفة تزعزع الإيمان وان هناك دولا أخرى تمنع تدريسها، فمثل هذه الحلول الحادة لها تأثير سلبي أكبر بكثير من المنفعة المتوقعة منها.
وأنا شخصيا أقوم بتدريس الفلسفة منذ 12 عاما ولم أشهد حتى اليوم أي زعزعة في عقول الطلبة ولا أجد في كتب الفلسفة المختلفة التي قمت بتدريسها أي شيء من ذلك، وعلى كل حال اذا كان هناك عيب في منهج الفلسفة فهو عيب في واضعي الكتاب المدرسي وليس في الفلسفة ذاتها، وهذه مشكلة حقيقية تنطبق على أغلب مناهجنا الدراسية العقيمة.
ومع احترامنا الشديد لجميع اعضاء لجنة استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الكويت ولرأيهم في الفلسفة الا أننا لا نتفق معهم على الإطلاق في هذا التوجه السلبي الذي يمثل هروبا من المشكلة بدلا من وضع الحلول المناسبة لمواجهتها، فالفلسفة طريقة في التفكير النقدي يمكن الاستفادة منها في تشكيل شخصية ناقدة ومنفتحة ومبدعة متى ما أحسنا التعامل معها، وبالتالي فالحاجة للفلسفة كبيرة ومهمة جدا اذا كنا نتطلع لبناء جيل واع ومثقف ومبدع وناقد جيد، ولسنا بحاجة الى سرد الأدلة العقلية والنقلية للتأكيد على أهمية الفلسفة وعدم تناقضها مع الدين، أما الاعتقاد بأن الفلسفة تؤدي إلى الكفر أو الإلحاد فهو اعتقاد خاطئ ولا يدل الا على عدم الفهم بالفلسفة ومضمونها، فحسن دراسة الفلسفة يعد من أهم عوامل اليقين السليم وتوثيق الإيمان، والا فكيف يفسر أعضاء لجنة استكمال الشريعة أمر الله عز وجل للناس بالتفكير والتأمل والنظر في أكثر من موضع في القرآن الكريم (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق)، (أفلا يتفكرون)، (أفلا يعقلون)؟
المشكلة الحقيقية ليست في الفلسفة على الإطلاق وإنما هي في المناهج الدراسية لوزارة التربية والتي سئم الجميع من المطالبة بتعديلها والاهتمام بها ولكن من يسمع ومن يهتم؟ فالجماعة في وزارة التربية مشغولون جدا بقضية واحدة هي الترقيات والصراع على المناصب واعطاء المسؤولين المزيد من الصلاحيات والامتيازات على حساب الدور الأساسي لهذه الوزارة وهو التربية والتعليم الذي يؤديه المعلمون والمعلمات ويفترض أن يحظوا بكل الاهتمام والتقدير اللازمين، ولكنهم مع الأسف يقعون في أسفل الهرم.
كنا نتمنى من لجنة استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية التي مضى عليها أكثر من عشرة أعوام دون أي نتائج ملموسة لو أنها وجهت اهتمامها الى تعديل المناهج الدراسية بدلا من إلغائها هكذا بكل بساطة وكأننا نعيش خارج الزمن.