قد يصح أن نصاب بالاضطراب تجاه ما يجري في عالمنا العربي من فوضى ودمار، فلا ندري من المجرم ومن الشريف، أو لا نتمكن من التمييز بين التنظيمات الإرهابية المتطرفة وبين حركات التحرر الوطنية، قد نصاب بالحيرة والشك لأبعد مدى، لكن رغم هذا، يبقى الخطأ خطأ والجريمة جريمة مهما كان فاعلها.. نستطيع أن نميز هذا فقط إذا تخلصنا من تعصبنا لمذاهبنا وايديولوجياتنا، واحتكمنا لضمائرنا، للجانب المشرق في إنسانيتنا التي تميزنا عن بقية الحيوانات، والذي يزول بمجرد محاولة تبرير القتل والتعذيب الوحشي لأن الفاعل «منا».
****
يقول نيتشه «التسمية سلطة». يا للبلاغة والعمق، تأملوا في مصطلحات مثل إرهابي، تكفيري، وهابي، رافضي، ناصبي.. الخ، تأملوا في تأثيراتها وخطورة استخداماتها، انها تجعل المتطرفين أدوات قتل وتعذيب بدم بارد، دون أي شعور بالأسف أو الندم. فإذا أردنا أن نعالج هذه الآفة بصدق، فعلينا إذن أن نتجه لمن يستغل هذه السلطة، سلطة إطلاق الأسماء على الناس وتصنيفهم ووضعهم في زوايا مهملة ومنبوذة يتقبل الناس الإساءة لمن فيها دون حرج.
التسمية سلطة، والسلطة تحتاج لرقابة ومحاسبة وسلطة أخرى تحدها وتوقف جنوحها، هذا منطق بسيط وواضح ومن أبجديات فلسفة القانون.
****
في نقده للعقل، حدد الفيلسوف الانجليزي العظيم فرنسيس بيكون أربعة أصنام اعتبرها أكبر المعوقات التي تمنع العقل من التطور بالاتجاه الصحيح، أطلق عليها باللاتيني اسم idola mentis أي «أصنام العقل»، أولها «أصنام القبيلة» (idola tribus) وهي من طبيعة الإنسان ومشتركة بين جميع الأفراد، تجعلهم ميالين للتعميم وتجاهل الحالات المعارضة، وإسباغ صفات في أمور ليست فيها، إنه صنم التعصب بكلام آخر.
ثانيها «أوهام الكهف» (idola specus) ومردها للنزعة الفردية عند البشر، والتي تجعلهم مقيدين بأغلال حب التميز وافتراض تفضيلات وهمية على حساب الحقيقة.
ثالثها «أوهام السوق» (idola fori) وهي مرتبطة بتكوين الألفاظ والمصطلحات، فيغلب على لغتنا وبالتالي تفكيرنا مفاهيم غير علمية يكتنفها الغموض والشواش، وهذا منبع كثير من النزاعات.
رابعها «أوهام المسرح» (idola theatri) وتأتي من السلطة والنفوذ لكثير من التصورات والنظريات المتوارثة عن شخصيات لها مكانة في نفوس الناس. لاحظوا.. أصنام العقل عند بيكون ليست أخطاء منطقية في الاستدلال العقلي كالتي نبه عليها أرسطو في المنطق الصوري، وإنما هي عيوب في تربية العقل تجعلنا نخطئ في فهمنا وأحكامنا على الأمور.
هذه الأصنام هي بمنزلة أغلال تكبل عقولنا عن رؤية الحق بموضوعية.
****
تقول الفيلسوفة الماركسية الپولندية روزا لوكسمبورغ «الذين لا يتحركون، لن يلاحظوا السلاسل التي تقيدهم».
هذا يفسر بالتحديد لماذا نحن واقعون تحت نير التخلف والتعصب الأعمى والاقتتال، فنحن غالبا جامدون نجتر الماضي، بصراعاته الجاهلية البغيضة.
****
كتب المبدع بدر شاكر السياب في «لأني غريب»:
حجار..
حجار وما من ثمار
حتى العيون حجار
وحتى الهواء الرطيب
حجار ينديه بعض الدم
حجار ندائي وصخر فمي
ورجلاي ريح تجوب القفار
[email protected]