ما يحدث في الكويت حكاية لا يقبلها العقل ولا يحتملها الواقع، خليط مهلهل من التراجيديا والكوميديا السخيفة، انتصار لليأس والحزن، وخيانة للمنطق وإجحاف للتاريخ وخذلان للبشر.
رياح لا تهدأ ونفوس لا تستقر وسفن لا تصل ومعاناة لا تنتهي، مأساة تتكرر كالنبض في الوريد، والهم في صدر الفقير أو الغريب.
وطن يتباهى بديموقراطية عمرها 300 عام وهو لايزال «يحبو»، يقوم ويسقط ويدور حول ذاته وكأنه ولد بالأمس
كم هي رائعة أعمال الفنان سامي محمد، رغم ما فيها من تصوير لمعاناة الإنسان في صراعه مع الحياة، تحكي ـ رغم صمتها ـ أكثر مما تحكيه فلسفة هيدجر وألبير كامو وقصائد جوته والسياب.
هكذا أشعر بها كلما وقفت أتأمل تمثال «الاختراق»، ذلك العمل العبقري الذي يصور إنسانا وهو يخترق جدارا بكل قواه، ثم يصطدم بعمود حديدي يكسر عزيمته ويعيده حيث كان، وهكذا أشعر عندما أتأمل تمثال «محاولة خروج» والذي يصور معاناة الإنسان في محاولته للخروج من «صندوق» الأحزان.. بلا فائدة، وهكذا أشعر عندما أتأمل تمثال «حادث ضد مجهول» الذي يحكي قصة إنسان «ملقى» على الطريق ومغطى بقطعة قماش، وعلى ساقيه آثار عجلات سيارة دهسته وغادر صاحبها دون اكتراث، هكذا أفهم حقيقة الإنسان في عالم سامي محمد، هكذا أراها في تمثال «الكابوس» وتمثال «الحشر» و«الازدحام عند الهروب» وغيرها.
سامي محمد فنان عبقري وصاحب قضية، بصمته في الفن مميزة، يجعلك حين تقف أمام تماثيله في مواجهة مباشرة مع حقيقة العالم بما فيه من قيود وآلام وعذابات، يفجعك بهذه الحقيقة التي ندركها ولكننا نتوارى منها ونتهرب من قولها، يصدمك بواقع الإنسان حين يجوع وحين يخاف وحين يقوم ويتعثر وحين يعيش كابوسا مرعبا لا يقبل أن ينتهي.
وعلى الرغم من أن تماثيل سامي محمد تتحدث عن معاناة «الإنسان» إلا أنني أصبحت أراها تتحدث عن وطني، فكأن هناك من دهس هذا الوطن، وفر هاربا ليقيد الحادث «ضد مجهول»!
إهداء إلى صناع الحضارة وبناة المستقبل، إلى أعضاء السلطتين «المتناحرتين»، حيث يقول الشاعر عبدالله البردوني في قصيدته زمان بلا نوعية.
عرفت لماذا كنت قتلي وقاتلي
لأن الذي يعطيني الخبز، آكلي
أأروي حكاياتي؟ جفوني محابر
لأقلام غيري، حبر غيري أناملي
لأني دخلت السجن شهرا وليلة
خرجت، ولكن أصبح السجن داخلي
فمن يطلق السجن الذي صرت سجنه؟
ومن يطرح العبء الذي صار كاهلي؟
[email protected]