في عام 2003، نشرت مؤسسة راند للأبحاث (وهي منظمة غير ربحية تتلقى دعما ماليا مباشرا من وكالة المخابرات الأميركية والپنتاغون، تأسست عام 1948 لتكون بمنزلة خلية تفكير Think Tank تقدم تقاريرها واستشاراتها لصانع القرار الأميركي) كتابا بعنوان «الإسلام الديموقراطي المدني»، من تأليف رئيسة المؤسسة آنذاك اليهودية النمساوية شيريل بينارد، وهي بالمناسبة زوجة زلماي خليل زادة، أحد أقطاب جناح الصقور في الحزب الجمهوري، وأحد المساهمين الأساسيين في تدمير العراق وأفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر، رغم أنه مسلم ومن أصل أفغاني ومن قبيلة البشتون!
بداية الكتاب وإن كان مكتوبا بلغة علمية ومنهجية، إلا أنه ليس كذلك في حقيقة الأمر، بقدر ما هو تقرير استخباراتي وقح يمتلئ بالتحريض على قتل المسلمين وتصنيفهم وتشجيع القتال فيما بينهم.
أطروحة شيريل بينارد تقوم على أساس أن الإسلام يشكل خطرا على العالم، ولكنه دين واسع الانتشار، وراسخ في قلوب أتباعه، وبالتالي ليس من السهل محاربته بطرق تقليدية، وإنما لمصلحة أميركا وأوروبا تغييره من الداخل بإسلام جديد يتماشى مع القيم الأميركية والغربية عموما، وأهمها الديموقراطية وحقوق الإنسان ومبادئ السوق العالمية الحرة (الرأسمالية الجشعة).
وهي ترى أن هذا ممكن وأن الفرصة مواتية بسبب وجود صراع ديني نشط بين التيارات الإسلامية وبسبب التكفير المتبادل بينهم، وهو صراع قديم حول تحديد ما هو «الإسلام الصحيح»، فالمسلمون أنفسهم منقسمون ومختلفون حول ذلك، ومن هنا تدعو بينارد إلى دعم التيارات الفكرية القريبة من الفكر الغربي، مثل العلمانيين والحداثيين حسب تصنيفها.
شيريل بينارد تصنف المسلمين في تقريرها «الاستخباراتي» إلى 4 فئات، أولا الأصوليون: وتقسمهم إلى أصوليين نصوصيين وتعتبرهم متطرفين وإرهابيين، وأصوليين تقليديين أقل تشددا، لكنهم بالنهاية أيضا إرهابيون.
ثانيا التقليديون: وهم أقل تشددا من الأصوليين، لديهم بعض المرونة في التعامل مع النصوص الدينية، لكنهم في النهاية يريدون مجتمعات محافظة ولا يقبلون بالنموذج الأميركي، وبالتالي فهم مثل الأصوليين لا يمكن للغرب التعامل معهم أو قبولهم.
ثالثا: الحداثيون: وهم الذين يريدون «تحديث» الإسلام وتطويره ليتماشى مع القيم الأميركية.
رابعا العلمانيون: وتقسمهم إلى نوعين، النوع الأول:علمانيون رافضون للدين على الطريقة السوفييتية وهم العسكر تحديدا، والنوع الثاني: علمانيون يريدون فصل الدين عن الدولة على الطريقة الغربية.
وبعد فرز وتصنيف المسلمين إلى هذه الفئات الأربعة، تقول بينارد بوضوح لصانع القرار الأميركي، إن النوع الأول والثاني من المسلمين (الأصوليين والتقليديين) لا يمكن التعامل معهم ولا قبولهم ولا التسامح معهم، بل يجب ضربهم وتدميرهم بكل الوسائل.
أما النوعان الثالث والرابع (الحداثيون والعلمانيون) فهم من يجب الاستثمار بهم ودعمهم وفتح المنابر ووسائل الإعلام لهم، وإبراز ممثليهم بوصفهم رموزا وأبطالا ومثالا يحتذى.
ثم تشرع في بقية التقرير في تحديد ما ينبغي على الإدارة الأميركية وأوروبا فعله لتدمير المسلمين من النوع الأول والثاني، وتضع نقاط محددة وبرامج مدروسة وخططا واضحة لكيفية فعل ذلك، من خلال تشجيع القتال بينهم بشكل خاص، وكيفية تهيئة الفرصة لصعود العلمانيين والحداثيين بعد ذلك. وهي تقدم في تقريرها أسماء محددة لما تعتبرهم من النوع الثالث والرابع، أي حداثيون وعلمانيون، ومنهم محمد شحرور ود.خالد أبوالفضل وشريف مارين وفتح الله غولن، وتدعو صراحة لدعمهم بكل الوسائل.
في مقال آخر سنناقش وننتقد الأسس الفلسفية التي بنت عليها شيريل بينارد أطروحتها.
[email protected]