كان هتلر قد احتل عددا من الدول الأوروبية، وتوجهت أنظاره إلى پولندا لمواصلة مشروع التوسع النازي.
أدرك ستالين خطورة الوضع، فقام بتوقيع اتفاقية عدم اعتداء (معاهدة مولوتوف - ريبنتروب) مع ألمانيا في أغسطس 1939، اتفق فيها الطرفان على اقتسام پولندا بين ألمانيا والاتحاد السوفييتي.
بعدها بأيام تحركت جحافل الجيش الألماني (فيرماخت) واحتلت غرب پولندا، وبعدها بأيام تحركت دبابات الجيش الأحمر السوفييتي واحتلت المناطق الشرقية من پولندا.
اقترح لافريني بيريا رئيس «المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية» - وهي جهاز الشرطة السرية في الاتحاد السوفييتي آنذاك - على ستالين ضرورة التخلص من الضباط والنخبة المثقفة في پولندا للحفاظ على الأمن، ووافق ستالين على ذلك وأعطى بيريا الضوء الأخضر، ولم يتأخر بيريا في تنفيذ المهمة، فبدأ سلسلة اعتقالات واسعة شملت أكثر من 25 ألف پولندي بين ضباط وجنود وسياسيين وأكاديميين ورجال دين، وأشرف بنفسه على عملية إعدام 22 ألفا منهم في غابات مدينة كاتين غرب روسيا في ابريل 1940.
وعندما هاجم هتلر الاتحاد السوفييتي عام 1943، وجد الألمان مقابر جماعية تحوي رفات آلاف الپولنديين، تم إعدامهم جميعا بطلقة في مؤخرة الرأس، وعندما أعلنوا عن ذلك واتهموا ستالين بارتكاب هذه المجزرة المروعة، سارع ستالين إلى الإنكار واتهم الألمان بارتكابها، وبقيت التهمة ملاصقة للنازيين سنين طويلة، إلى أن اعترف الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف بالجريمة وبمسؤولية ستالين عنها عام 1990.
وفي عام 2010 وخلال تولي الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف الحكم، أمر بنشر الوثائق المتعلقة بمجزرة كاتين والتي كانت محفوظة لسنوات طويلة في «أرشيف الحزب الشيوعي» في موسكو.
وفي ابريل 2010 شارك رئيس الوزراء آنذاك فلاديمير بوتين لأول مرة في ذكرى إحياء المجزرة في پولندا، وكرر اعتراف بلاده بالجريمة وبمسؤولية ستالين عنها، لكنه رفض الاعتذار، ودعا الپولنديين إلى طي صفحة الماضي والنظر للمستقبل إن كانوا يريدون علاقات طيبة مع روسيا.
لم ينج من تلك المجزرة الرهيبة سوى 583 پولنديا، روى بعضهم كيف كانت تتم عمليات الإبادة الجماعية لرفاقهم، والتي تطابقت مع ما جاء في وثائق الحزب الشيوعي التي تحررت مؤخرا من السرية.
كان رجال الشرطة السرية يصطحبون بشكل يومي عددا كبيرا من المعتقلين الپولنديين بحجة الاستجواب، ويدخلونهم الواحد تلو الآخر في غرفة لها باب أمامي وباب خلفي، محاطة بأكياس الرمل على جدرانها من الداخل، وما إن يدخل المعتقل حتى يوجه له الشرطي السوفييتي رصاصة في مؤخرة الرأس، فيحمل جثة هامدة عبر الباب الخلفي إلى شاحنة تنتظر، وهكذا يتكرر الأمر طوال النهار، وتؤخذ الشاحنات المكدسة بالجثث مع بزوغ الفجر إلى حفرة كبيرة في غابات كاتين، ويلقى بها أكواما تلو أكوام.
كان فازيلي ميخايلوفيتش بلوخين من أشرس الجلادين الروس في تلك المجزرة، قام وحده بإعدام أكثر من 7 آلاف پولندي، بعضهم لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره!
***
في عام 1993، تم إنشاء «متحف كاتين» في العاصمة الپولندية وارسو، يضم صورا ووثائق وبعض المتعلقات الخاصة بضحايا المجزرة، إضافة إلى عدد من النصب التذكارية للضحايا في مقبرة بوفيسكي وكاتوفيتش وخاركيف، لتبقى شاهدا هي وأمثالها على وحشية من يقودون اليوم عمليات «السلام» في عالمنا البائس!
[email protected]