ناقشت في المقالين السابقين مشكلة آخذة في التصاعد وتتضخم أبعادها وهي مشكلة البطالة. وناقشت المشكلات المغذية لمشكلة البطالة وحددت ملامحها ومن بينها ما هو متعلق بمحدودية الفرص التعليمية التي سندخل نفقها خلال خمس سنوات من الآن، وطالبت بتطوير المناهج والبرامج التعليمية بما يصب في اتجاه تحسين جودة النظام التعليمي، وأكدت على أهمية ترشيد القبول في التعليم ما بعد الأساسي. وفي هذا المقال سأسرد بعض الإجراءات التي يجب أن تتخذ في أقرب وقت حتى لا تضمحل تلك الإجراءات وتنعدم جدواها.
وهنا يجب لفت الانتباه إلى أن الحلول هي حزمة متكاملة لا ينتقص منها وإلا فإنها لن تؤتي ثمارها. ويجب أن تنطلق هذه الإجراءات من إستراتيجية وطنية تنموية اقتصادية واضحه المعالم مستندة إلى معايير أداء ومؤشرات قياس واضحة، إستراتيجية تستهدف إيجاد قطاعات اقتصادية جديدة (التوسع في مصافي النفط، التوسع في إنشاء الشركات الحكومية في قطاع العقار المحلي والدولي، شركات الخدمات الإلكترونية، الاستثمار في صناعة الأغذية، وتنشيط قطاع إعادة التصدير). أحد الحلول المهمة هو أن ينصب اهتمامنا على تطوير منظومتنا التعليمية وتحديث مناهجها وبرامجها التعليمية، كما يجب أن نرشد القبول في المؤسسات التعليم ما بعد الأساسي (إغلاق التخصصات التي لا احتياج إليها)، وتطوير تخصصات خدمية ترتبط باستراتيجيتنا الوطنية (تخصصات الطهي، تخصصات التكنولوجيا، الصناعات النفطية، الصناعات الكيميائية الدقيقة.. إلخ).
نحن في الكويت وصلنا إلى مرحلة النضج الإداري ويجب أن نحرر قطاع العمل الحكومي من قيود الاستقرار والضمان الوظيفي ونرفع الحصانة عن كل الموظفين في الدولة بحيث يستمر في العمل من يستحق ويستغنى عمن لا يقوم بواجباته، ويجب أن نعلي شأن ثقافة التميز في الأداء. على أن يكون ذلك متبوعا بترشيد التوظيف الحكومي (وقف التوظيف والتسجيل العام وحصره في التخصصات المطلوبة فقط) وتسريع سياسة الإحلال. يجب أن نعمل على تهيئة القطاع الخاص (إعادة دراسة التشريعات المنظمة لهذا القطاع، تصحيح النسب الإلزامية للعاملة الوطنية، ووضع حد أدنى للرواتب)، وهو ما سيخفف القلق لدى المواطن الكويتي وسيكون العمل في القطاع الخاص خيارا مناسبا لعدد لا بأس به من المواطنين. كما أن من المهم أن توقع سياسات ترفع كلفة العامل الأجنبي (رسوم وضرائب) حتى يكون الموظف المحلي خيارا جيدا لأصحاب الأعمال في القطاع الخاص. ومن الضروري تفعيل الملحق الخاص في قانون دعم العاملة الوطنية في القطاع الخاص والذي يحظر بعض المهن عن غير الكويتيين وهو ما سيوجد حوالي 5000 وظيفة مناسبة ومقبولة للكويتيين في القطاع الخاص، وهذه السياسة ليست بدعة بل إن أغلب دول العالم النامي تتبع هذه السياسة.
ولن يتصحح مسارنا إلا في وجود نظام ضريبي متطور وفعال. تتكون وحداته من ضريبة الدخل، ضريبة القيمة المضافة، ضريبة دعم العمالة الوطنية والتي يجب أن تقر على جميع الشركات الخاصة سواء كانت صغيرة أو متوسطة أو كبيرة. ولن يتوقف الإصلاح إلا بمراجعة سياسة الدعم المقدم من الدولة، على أن يقدم الدعم للمستحقين فقط وأن ندعم الشركات التي تسهم بفعالية في توظيف الكويتيين ويكون أثرها في الاقتصاد الوطني واضح.
إن هذه المقترحات وغيرها تتطلب دراسات فنية متعمقة تستهدف الخروج برؤية وإجراءات تنفيذية قابلة للتطبيق والديمومة.
dralsharija@