تطالعنا دائما التقارير والمراكز المالية المحلية والعالمية بقوة المتانة المالية وتجاوز العثرات، وذلك بسبب تعزيز المصدات المالية القوية لها، ونشاهد مصدات الرياح وهي حواجز تتألف من أشجار ومعادن لتقليل الآثار الضارة الناتجة عن قوة الرياح وغيرها من مصدات الحماية والوقاية.. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك مصدات أخرى مهمة في حياتنا؟!
نعم، هذه الحياة الدنيا تحتاج إلى مصدات، فالإنسان ينتابه النقص والجهل والقلق والضعف وقلة الحيلة ومصدات الحياة متعددة وأول هذه المصدات المهمة العلم والتعلم، فكلما زادت المعرفة والعلم زاد الوعي والخشية، والعلم كما قيل هو منير الظلمة، وكاشف الغمة، وباعث النهضة، هو سلاح لكل فرد ولكل مجتمع يريد أن يتحصن ويهابه العدو، وهو أساس سعادة الفرد، ورفاهية المجتمع ورخاء الشعوب، والبشر جميعا.
ولهذا أول آية نزلت على رسولنا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم) «العلق: 1-5».
أمر بالقراءة التي هي مفتاح العلوم، ومنه يتبين أهمية الحرص على بناء جيل متسلح بالعلم، ويأتي دور الوالدين في ذلك بتحفيز أبنائهم للعلم والقراءة والاهتمام الثقافي والمعرفي، ومنه أهمية تعلم العلم الشرعي كالتوحيد ونواقضه وفق العبادات كأحكام الطهارة والصلاة ومعرفة الحلال من الحرام اعتقادا وعملا وغيرها من الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، وكلما زادت هذه المصدات علميا ومعرفيا نقص معها الجهل وضعف تأثير الشبهات.
الإنسان مكون من شقين أساسيين، هما الروح والجسد والكل يعرف كيف يتعامل مع غذاء الجسد من أكل وشرب وراحة ورياضة في الغالب، لكن القليل من لا يعرف أو لا يتعامل مع غذاء الروح بشكل صحيح وهي من المصدات المهمة في حياتنا فالروح من السماء وإلى السماء وتحتاج إلى دواء وغذاء رباني، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «إن في الدنيا جنة، من دخلها دخل جنة الآخرة، ومن حرم منها حرم من جنة الآخرة».
لذا، فإن ضيق الصدر وما ينتاب الإنسان من القلق والاكتئاب والأرق أحيانا، مسألة قد تمر على كل واحد منا، تطول مدتها مع شخص وتقصر مع آخر، ولأهمية هذه المصدة الروحية والنفسية يلزمك التزود بكمال التوحيد لله عز وجل وذكره والمحافظة على عمود الدين الصلاة، وصدق اللجوء له سبحانه، ودعائه في الصباح والمساء وعند النوم وقراءة القرآن والإحسان إلى الخلق والمبادرة إلى الخيرات، يقول الإمام ابن القيم: فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره، والسكون إليه والطمأنينة إليه، وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته، هو جنة الدنيا، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين.
ويأتي ثالث هذه المصدات المال، والذي هو «عديل الروح» كما يقال في المثل الشعبي، من المهم خلق مصدات مالية في حياتك والسعي في طلب الرزق والكسب الحلال الطيب ولهذه المصدة المهمة في حياتنا أسس وقواعد ومفاتيح يحسن العمل عليها حتى لا تكون عالة على الناس ومدينا لا دائنا، وابتعد عن القروض البنكية ما استطعت إلى ذلك سبيلا فقد نفعت القليل ودمرت الكثير من الناس، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله». متفق عليه.
وتأتي العلاقات الاجتماعية ضمن أهم المصدات التي نحتاج اليها في حياتنا للمحافظة على علاقات ناجحة قدر الإمكان وكلما تعرفت على كيفية التعامل الصحيح كلما زاد الرصيد وانخفضت المخاطر فعلاقاتنا مع الأقارب والجيران ومع الأصدقاء والزملاء ومع الناس عموما كل ذلك يحتاج إلى عدة عناصر من أهمها: استخدام فن التغافل قدر الإمكان - كبر عقلك - والتثبت قبل الحكم على الناس واسمع منه ولا تسمع عنه، حب الخير للغير اجعله شعارك العملي وطهر قلبك من الأمراض كالحسد والغيبة والنميمة وسوء الظن والكبر.. ولا تقطع شعرة معاوية في علاقاتك مع الناس واجعل لنفسك خط رجعة في الكثير من قراراتك، واعلم أن الاختلاف سُنة الحياة.
ختام الومضة: حدد لنفسك أهدافا تسعى من أجل تحقيقها والأهداف هي أساس حياتنا للوصول إلى الغايات والأماني التي نرسمها ولا يغيب عنك الهدف الأساسي والأسمى من خلق البشر وهو تحقيق العبودية لله عز وجل، وبعده تأتي أهداف إعمار الأرض من دراسة وعمل وبناء للأوطان، اكتبها وضع لنفسك خططا تطور بها ذاتك واستراتيجية تعمل عليها حتى تحقق الحد الأدنى من الإنجاز الذي تفخر به ويفرح به محبوك من حولك ويحترمك مبغضوك. وبالله التوفيق.
mbrkwtdusari@