الأنا أو حب الذات هو خلق غير حميد يتوغل في شخصية الفرد فيسوء سلوكه ويغمسه بشيء من الأنانية وحب الذات، فبدلا من أن يكون حياديا في نظرته للأمور تراه دائما يميل لشخصه ويبدي مصلحته الخاصة ويؤكد رغباته ويعدو وراء مطامعه. هكذا شيئا فشيئا تجده يتحول من إنسان سوي عادل منصف إلى إنسان يرى في كل الأمور مصلحته الخاصة وجشعه في الحصول على كل شيء لنفسه، ومهما حاول إخفاء هذه الصفة السيئة أو تداركها فتظهر دون إدراكه إما بتعامله مع الآخرين أو في تصرفاته، وتدور على لسان المحدث، ويتسم بها كل عمل من عمله، ويرد بعض الاجتماعيين هذا الخلق إلى أثر طبيعة العربي الذي تقوى فيه نزعة التفرد، أو روح التعصب الرجعية، تلك الروح التي كانت تطل برأسها بين آن وآخر فتثير الفتن والقلاقل.
وتاريخ الجاهلية قد امتلأ ظلاما وابتعادا عن الأخلاق الحميدة كما الأنانية التي أوجدت استعباد الناس وامتلاكهم وإيذاءهم وإجبارهم على غير دين الإسلام ولم يخمد هذه النزعة إلا الدستور الإسلامي الذي أنقذ بروحه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأغلب الخلفاء الراشدين.
وكان قمع هذا الخلق الموهن لكيان المجتمع أول انتصار للنبي وتحرير أهل قريش من وهن الأنانية وتحويلهم إلى عطاء الاخوة حين أدخل عليهم الإسلام وجعل كلا منهم يحب للآخر ما يحبه لنفسه ووحد صفوفهم تحت كلمة الحق.
ففي التكاتف تقوية للروح، وتضحية الفرد بنفسه في سبيل المجموعة الصابرة المقاومة، لون من شرف الكفاح ونبذ الأنانية.
وقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم بقوة شخصية، ونفاذ بصيرته وبعد نظره أن يخلق من مجموعة فرق متناحرة متناثرة أمة قوية عزيزة الشأن.
والأمة تقاس حضارتها بما وصلت إليه من الجهد الثقافي والاجتماعي في هذا الميدان، إذا استطعنا التغلب على المعوقات الثقافية والأخلاقية التي تقف في طريقنا، وقد أتينا عليها قبل أن نكون قد مهدنا الأرض للبذر والثمر للنضج وأوضحنا المنهاج للأجيال القادمة.
هذه هي العقدة التي يجدر بنا أن نعرض لها بالحل، وأن نطالب القوامين على الثقافة بالعناية بها ورعايتها حتى تأخذ سبيلها إلى العقول والنفوس.
والمجتمع الناهض هو الذي تتغلب فيه القوى الأخيرة، وتربح من طريقها رواسب الماضي المتخلفة.