تعيش المنطقة العربية في هذا الوقت حالة من الصراع المحتدم غير المسبوقة منذ عقود خلت، فنحن بواقع الحال كمن يبني قصورا شاهقة على فوهة بركان.
يأتي على رأس تلك الأوضاع الملتهبة، الوضع في سورية، والذي تبرز فيه بشاعة الإجرام لبشار الأسد وحزبه وشبيحته، في الجانب الآخر لهذا النظام الدموي ليس هناك طرف واحد وإنما أطراف كل طرف منها يحاول جر الثورة بالاتجاه الذي يريد، فمن الجيش الحر بألويته المختلفة إلى جبهة النصرة إلى «داعش» إلى قوات دولة العراق والشام الإسلامية، ويا ليتهم يسيرون باتجاه الهدف المشترك لهم جميعا وهو إسقاط النظام الدموي القابع في دمشق، لكنهم وللأسف بدلا من ذلك وثب كل طرف على الآخر محاربة لبعضهم البعض.
هذا التشظي بالطرف المقاوم للنظام الدموي يدل بشكل واضح على أن الثورة السورية تعرضت لمؤامرة كبرى جيرت فيها القوى داخل ساحتها كل في اتجاه مختلف عن الآخر، فاختلاف الأفعال يؤشر على اختلاف الأهداف، واختلاف الأهداف يؤشر على اختلاف الجهة واضعة الأهداف التي تريد.
من الثورة السورية تطاير الشرر إلى من حولها، من لبنان تدخل حزب الله الحليف الأعمى لنظام الأسد على الفور، وضحى بشعبيته وتاريخ نضاله الذي كان محط احترام الكثيرين إلى تلك اللحظة التي أسفر فيها عن وجهه الطائفي البشع، فهو يرسل مقاتليه إلى سورية ليعودوا إليه جثثا هامدة، ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل استدعى بفعله غير المتزن النار إلى ضاحيته الجنوبية ذاتها، فكانت ردات فعله في الداخل اللبناني غير متزنة وغير محسوبة، فأضحى المشهد اللبناني ـ المعقد أصلا ـ أكثر تعقيدا وأكثر احتقانا، وقابلا للتطور نحو الأسوأ.
ومن العراق يأتي الدعم اللامحدود لنظام بشار الإجرامي من قبل المالكي وجميع طوائف الشيعة، لقناعة المالكي بأن سقوط نظام بشار سيؤدي به إلى نفس المصير، فهو يدافع عن استمرار وجوده قبل استمرار وجود الأسد ونظامه البائس، لذلك وبنفس الشعارات الطائفية التي يدار فيها النزاع في سورية، تدار الأمور في العراق تجاه مطالب أهل السنة الذين يعانون التهميش والإبعاد حتى باتوا وكأنهم لاجئون في وطنهم، والآن بدأت سلطات المالكي باستخدام القوة العسكرية لفض الاحتجاجات المطالبة بحقوق مشروعة وعادلة.
لتتسع دائرة الصراع المسلح من سورية إلى لبنان إلى العراق.
من فوق جمر الثورة السورية الملتهب يطبخ مؤتمر «جنيف 2»، هذا المؤتمر ـ الذي يقوده ميزان القوى للدول الكبرى المهيمنة على القرار الدولي ـ غير واضح المعالم والمحددات، ويبدو أنه يستخدم كعصى غليظة فوق رأس الثورة السورية، ليكون الإطار الجاهز لاحتواء أي جسم أو تطور لا تحمد عقباه بالنسبة لتلك القوى ذات الأنانية المفرطة التي لا تنظر ولا تلتفت إلا لمصالحها الذاتية.
علما بأن هذه الدول على وجه الخصوص والمجتمع الدولي على وجه العموم فشلوا فشلا ذريعا من الناحية الأخلاقية تجاه قضية شعب يذبح بدم بارد، ويشرد أهله وتهدم بيوته بالبراميل المتفجرة، من قبل عصابات دموية حاقدة، تفتقر الى أدنى درجات الإنسانية، وهكذا يقال عن كل من يملك تجاههم شيئا ثم يسكت ويستكين.
بالمحصلة المنطقة قابلة لجميع الاحتمالات المعقول منها وغير المعقول، ويصعب على أي كان أن يتنبأ بما ستؤول إليه الأوضاع، وما يمكن أن يترتب عليها من آثار ونتائج.
لكن ما استطيع الجزم به أن رياح التغيير لن تبقي شيئا على حاله، وأن سنة التغيير حتمية واقعة، والتي تحدده هي إرادة الشعوب وحدها.
[email protected]