كثير هو الهجوم على الحكومة، والأكثر منه اتهامات توجه إلى أعضائها بالتقصير وضعف الأداء.. وهذا وذاك، رغم منطقيتهما وشرعية إطلاقهما، إلا أن هذه الآراء ليست من الواقع انطباقها على الوزراء كافة.. فحتما من بينهم استثناءات، بل إن منهم من هو محل مدح وثناء.. وأول هؤلاء الوزراء وزير العدل ووزير الدولة لشؤون مجلس الأمة المستشار د.فهد العفاسي.
وتسليط الضوء على هذا الوزير بعينه من دون غيره له ما يبرره، فهو الزاهد بالجانب الإعلامي، والرافض بطبعه الاستعراض أمام فلاشات الكاميرا وشاشات القنوات.. في مقابل حصيلة ثرية له من جهود حثيثة، وإنجازات مشهودة، وإصلاحات خيّرة، رغم أن فترته في العمل الوزاري لم تتجاوز سنة وبضعة أشهر، بدأت في ديسمبر 2017، بتوليه وزارتي العدل والأوقاف، قبل أن تسند إليه وزارة الدولة لشؤون مجلس الأمة مع احتفاظه بحقيبة العدل، خلال التعديل الحكومي أواخر ديسمبر 2018.
وإذا كان العفاسي دشن يومه الأول في الحكومة بالقسم على احترام الدستور والذود عن المال العام ومصالح الشعب، فإنه بحق لم يحنث بيمينه، وأحسن إلى الثقة التي أوكلت إليه، وكفاه نظافة يد، وصدق أفعال، وتقرير ديوان المحاسبة، الذي لم يشهد قوة معالجة للمخالفات، وتتبع الملاحظات، وقضاء على الأخطاء، كما هو في عهد العفاسي.
ويحسب لهذا الوزير أن سلم وزارة الأوقاف إلى خلفه فهد الشعلة، خالية من أجواء صراعات قيادييها، والتنافس الأزلي الذي جعلها ـ فيما مضى ـ بؤرة قتال تيارات، تسببت في تخلف مشاريعها، وبطء أعمالها، وتضخم التنفيعات والمحسوبيات فيها.. مثلما يحسب له، أن أخرج قانون «منع تعارض المصالح» إلى النور، بعدما ظل قابعا في أدراج مجلس الأمة واللجان الفنية، أكثر من 12 عاما، من دون حراك.
وها هي وزارة العدل أيضا تتنفس هواء إداريا وفنيا جديدا، سار منعشا في رئة قصر العدل وقاعات المحاكم، من خلال تشريعات تسهل التقاضي ومطالب المحامين، والعمل بالأنظمة الإلكترونية والأجهزة التكنولوجية في الإبلاغ عن القضايا والمتخاصمين فيها وأحكام درجاتها.. وما حققه العفاسي في هذا الشأن بصمت ومن دون ضوضاء، عجز عنه غيره، رغم ضجيجهم على كل منبر يعتلونه.
وعلى ضفة أخرى، تبدو هيئة مكافحة الفساد، محظوظة في أن تبعيتها السياسية للعفاسي.. وهو ما أزال كل عائق في طريقها نحو فضح المفسدين، ومحاسبة العابثين في مسؤولياتهم والمتقاعسين في مهماتهم.. وها هي شهادة مسؤولين في «نزاهة»، قيلت علنا: «وزير العدل الحالي حصن حصين للهيئة، في المحافظة على استقلاليتها، وقوة إجراءاتها في الإحالات على القضاء، وإزالة اللثام عن كل شبهة».. بل إنه، أكثر الوزراء في فتح ملفات المخالفات، وعدم التردد في التحقيق مع من وراءها، من دون النظر إلى اسم أو منصب أو تيار.. فمسطرته مخافة الله، والوطن فوق الجميع.
هنا، لسنا في سرد سيرة ذاتية لمسؤول، أو عرض قائمة بما أنجز، بيد أنها كلمات من باب «الاعتراف بالفضل لأهل الفضل».. ومثلما تنطلق ألسنتنا مهاجمة تعثر مشروعات، أو تخبط قرارات.. فمن العدالة، الإشارة إلى ما نراه نجاحا في إنجاز وزير، أو تطوير في منهج وزارة.. وليس صحيحا، كل ما فيه نفس حكومة سوء وتراجع، وحرمنة وتنفيع.. فالمشهد فيه نقاط ساطعة، تثير فينا التفاؤل في بلوغ أمانينا في طفرة بترتيب الكويت في مؤشرات محاربة الفساد، والنهوض بالتخطيط والتنفيذ السليمين، لمستقبل البلاد والعباد.