كانت الحكمة مزدوجة من تقرير العقاب على بعض الطوائف إذا أفشت ما يصل إلى علمها من أسرار عن طريق ممارسة المهنة أو الصناعة، فكتمان أسرار الغير في الاصل واجب خلقي تقتضيه مبادئ الشرف والأمانة هذا فضلا عن ان من مصلحة المجتمع أن يجد المريض طبيبا يرتكن إليه فيودعه سره، وأن يجد المتهم محاميا يطمئن إلى كتمانه لأسرار قضيته فيصارحه بحقيقة أمره، ولما تطورت رسالة الدولة وتزايدت واجباتها وجد كتمان أسرار المهنة تطبيقات أخرى في أعمال السلطات المختلفة، مثلا في نطاق القضاء والتحقيقات والتوثيق والضرائب وأعمال الصرف وغيرها.
وإفشاء السر يعد من جرائم الأشخاص التي تصيبهم في شرفهم واعتبارهم بحسب الأصل، والتي تقع بالقول أو الكتابة أو بالإشارة ودراسته وثيقة الصلة بأحكام الشهادة أمام المحاكم الجنائية والمدنية معا، لما قد يترتب على تحريم الإفشاء أو إباحة من نتائج هامة من حيث إمكان اعتبار الدليل المستمد منه أو من وجوب إهداره كلية، وإلا بطل الحكم ـ ولكن ما السر؟ يعد النبأ سرا ولو كان شائعا بين الناس ولكنه غير مؤكد أما متى تأكد للجمهور فقد زالت عنه صفة السر ـ وينبغي أن يكون السر قد وصل إلى الأمين بحكم ممارسته مهنته أو صناعته ولو لم يطلب صاحبه كتمانه او حتى ولو كان هو نفسه لا يدري به كطبيب يكتشف بمريضه مرضا دفينا لا يدري هو حقيقته، أو كمحام يقتنع من الاطلاع على الأوراق بمسؤولية موكله ولو لم يرض هذا الأخير أن يقر له بها.
وقانون الجزاء الكويتي رقم 16 لسنة 1960 والقوانين المعدلة له نص في مادته 143 الفقرة الأولى «كل من علم بوجود مشروع لارتكاب جريمة قتل أو حريق أو سرقة في وقت يستطاع فيه منع ارتكابها وامتنع عن إبلاغ ذلك إلى السلطات العامة أو إلى الأشخاص المهددين بها يعاقب بالحبس «فتلك المادة تطرقت إلى وجوب كشف سر العلم بوجود مشروع إجرامي وأن عدم كشفه هذا السر يعرضه للعقوبة المنصوص عليها بالمادة سالفة الذكر ـ كما جاءت المادة 6 من القانون 25 لسنة 1981 بشأن مزاولة مهنة الطب البشري بالوجوب على الطبيب ألا يفشي سرا خاصا وصل إلى علمه عن طريقة مهنته ـ فهذه المادة حظرت على الطبيب إفشاء سر من أسرار مرضاه ولا يجوز كشف هذا السر إلا في حالات ضمنتها تلك المادة ويهمنا منها إذا كان إفشاء السر بقصد منع حدوث جريمة ويكون هذا الإفشاء مقصورا على الجهات الرسمية أو كان الإفشاء بقصد التبليغ عن مرض سار ويكون هذا الإفشاء مقصورا على الجهات المختصة التي تعينها وزارة الصحة - فمفاد ذلك أن تلك المادة أجازت إفشاء الأسرار في هاتين الحالتين ـ أما في حالة إفشائه للسر في غير هاتين الحالتين فسوف يتعرض للمحاكمة التأديبية ـ كما أن المادة 35 من قانون رقم 42 لسنة 1964 في شأن تنظيم مهنة المحاماة أنه يعد من قبيل الإخلال بأصول وشرف المهنة إفشاء أسرار الموكل ـ فهذه المادة أوجبت على المحامي إلا يفشي أسرار موكله أما إذا كان إفشاؤه للسر يترتب عليه منع جريمة محدقة وواقعة في الحال هنا اوجب القانون عليه إفشاءها لحسن سير العدالة ـ لذا أقول في نهاية مقالي هذا ما جاء به الدستور الكويتي في مادته رقم 30 التي تنص على أن «الحرية الشخصية مكفولة» ومعنى ذلك أن المشرع الدستوري انطلاقا من حرصه على حفظ وصون الحرية الشخصية بمقوماتها قد رفع الحق في الخصومة إلى مصاف الحقوق الدستورية باعتباره من الحقوق الملازمة اللصيقة بالإنسان، الأمر الذي يكون افرد نصا خاصا للعقاب على جريمة إفشاء الأسرار هو إعمالا للمادة 30 من دستور الكويت.
ولما كانت الكويت من الدول الرائدة في تطورها السياسي فإن وضع عقاب ونص يحرم جريمة إفشاء الأسرار ما هو إلا ركيزة للمقومات الأساسية للمجتمع الكويتي وبيان للحقوق والحريات العامة لأفراده ولا يسعني في النهاية الا أن أسأل الله عز وجل أن يحفظ وطننا العزيز من أي مكيدة وذلك في ظل قائد المسيرة صاحب السمو الأمير حفظة الله وسموه وولى عهده الأمين وسائر الشعب الكويتي الكريم.