على الرغم من التوجيهات السامية لصاحب السمو الامير، فإن هناك اصرارا على استجواب سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، فالاستجواب ليس بأمر جديد وغريب وليس بأمر سيئ، بل ان استجواب رئيس الحكومة أمر طبيعي في الديموقراطية وذلك اذا كانت النوايا حسنة ومن اجل الاستيضاح والإصلاح وليس خلافا لذلك، بمعنى ان يكون بعيدا عن الشخصانية، والسؤال الذي يراودني لهذا الاستجواب والذي سأرد عليه دستوريا وقانونيا: أتريد المعارضة السياسية إسقاط رأس الحكومة؟ فلو قلنا جدلا رحل ناصر المحمد فهل سيأتي رجل سوبر مان لينقذ الديموقراطية والمشهد السياسي في الكويت بعد مرور خمسة عقود من الديموقراطية؟ أم ان البديل لسمو الشيخ ناصر المحمد الذي في بال النخبة السياسية سيكون هو البديل الناجح؟ وسؤال آخر يراودني: هل تعلم النخبة السياسية ان الخلل في الممارسات السياسية مصدره من بعض افراد ذات النخبة السياسية وخصوصا اعضاء مجلس الامة وبعض المواطنين؟
لذلك، فنحن نحتاج إلى مراجعة اولا في نقد الذات للسلطتين التنفيذية والتشريعية ثم نحتاج الى مراجعة لاسباب الظواهر السلبية في المشهد السياسي في الكويت ووضع الحلول والعلاجات لها.. اعود للرد على الاستجواب الموجه لرئيس مجلس الوزراء والمأمول مناقشته بجلسة 28/12/2010، فالبين ان هذا الاستجواب ليس له محور واحد وإنما له محوران المحور الاول يختص به وزير العدل، اما الثاني فهو من اختصاصات وزير الداخلية، فبالنسبة للمحور الاول فإن المختص به كما ذكرنا وزير العدل ولا يجوز مساءلته عن ذلك لأنه لا يملك اي سلطة بالنسبة لقرار المحكمة الذي طلب رفع الحصانة بالنسبة لعضو مجلس الامة لاستكمال النظر في القضية، لكن يسأل ويكون مسؤولا إذا لم ينفذ قرار المحكمة والنيابة لذلك فهو يعتبر غير مسؤول لأن دوره ينحصر في الاتصال بين السلطة القضائية والجهات الاخرى، اما المحور الثاني فالمختص به وزير الداخلية لأنه الجهة المنفذة للاوامر الصادرة من صاحب السمو الامير وذلك تأسيسا على ان النظام الدستوري في الكويت هو «نظام رئاسي برلماني»، الامر الذي يعني ان مسؤولية الوزير مزدوجة فهو مسؤول عن اعمال وزارته أمام المجلس وكذلك امام صاحب السمو الامير بصفته رئيس الدولة، وهو ما نصت عليه المادة 101 من الدستور «ان كل وزير مسؤول لدى مجلس الأمة عن أعمال وزارته»، لذلك نرى ان المحكمة الدستورية العليا قررت في قرارها رقم 8 لسنه 2004 بتاريخ 9/10/2006 «ان المجلس النيابي ليس منبرا تلقى منه المطاعن الشخصية على الوزراء او تتناول امورهم الشخصية وخصوصياتهم بقصد النيل منهم او التهجم عليهم او التشهير بهم ولا وجه للقول ان حق مجلس الامة في تقديم الاستجواب غير محدد او بعبارة اخرى «حق مطلق»، انما يحدده حين ممارسته قيد الاختصاص المستمد من نصوص الدستور بعناصره الاربعة، العنصر الاول شخصي: ان تكون صادرة من الوزير او احد معاونيه منذ اكتساب الوزير هذه الصفة بموجب قرار توليه الوزارة، والثاني موضوعي ان تكون داخلة ضمن الاعمال والتصرفات التي اجاز له المشرع ممارستها، والثالث زماني: ان تكون داخلة ضمن المدى الزمني الذي مارس فيه الوزير سلطاته، والرابع مكاني: ان تكون متعلقة بالوزارة التي تولاها او الجهات التابعة لها او الجهات التي يشرف عليها فإذا تجاوز هذه الحدود انقلبت ضده وفقد صاحبها الحق فيه لذلك فالقول ان حق عضو مجلس الامة في الاستجوابات حق مطلق لا يستقيم على اطلاقه، فإذا كان للنائب حق فللغير حقوقه التي قد تكون من الاجدر والاولى بالرعاية والاعتبار لذلك فالمادة 123 من الدستور تنص على ان مجلس الوزراء يهيمن على مصالح الدولة ويرسم السياسة العامة للحكومة ويتابع تنفيذها ويشرف على سير العمل في الادوات الحكومية، كما جاء نص المادة 127 من الدستور «يتولى رئيس مجلس الوزراء رئاسة جلسات المجلس والاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة» لذلك فالمادة 100 في تفسير حكم المحكمة الدستورية العليا رقم 8 لسنة 2004 الصادر في 9/10/2006 تنص على أن اختصاص رئيس مجلس الوزراء يقتصر نطاقه على رئاسة جلسات مجلس الوزراء والاشراف على تنسيق الاعمال بين الوزارات المختلفة دون ان يتولى اي وزارة كما لا يطرح في مجلس الامة موضوع الثقة به لذلك فإن المحكمة الدستورية العليا قررت في حكمها أنه طبقا للنظم الدستورية فإن السلطة توجب المسؤولية وتنتهجها لزوما فهي كالظل لا تبعد عنها ولا بالتالي تفارقها فالذي يباشر السلطة يجب ان يكون مسؤولا عن مباشرتها والذي يسأل يجب ان يكون صاحب سلطة واختصاص بما يخوله القانون القدرة على القيام بإجراء معين وعلى خلاف ذلك فإن عدم الاختصاص يؤدي الى انعدام القدرة على الإتيان بهذا الاجراء او التصرف وبالتالي فلا مسؤولية بلا سلطة أو اختصاص وهذا مقتضى التلازم بين السلطة والمسؤولية والقول بغير ذلك فيه تحميل لنصوص الدستور، لذلك فإنه يجوز لرئيس مجلس الوزراء ان ينيب مَن يرى من الوزراء في الرد على الاستجوابات الموجهة اليه خاصة من تقع محاور الاستجواب في وزارته ومن مهام مسؤولياته لأن اللائحة الداخلية لم تحظر على رئيس الوزراء حق الانابة وهذا ما يفرضه الواقع والمنطق فبدل ان يقوم الرئيس بتولي الدفاع عن الوزراء في أعمال وزاراتهم موضوع ومحل ومحاور الاستجواب فأصحاب العلاقة اولى بالرد وتحمل مسؤولية اعمالهم.
لأن الاستجواب ومحاوره موجه اساسا لوزير العدل بصفته الناقل لطلب القضاء عن رفع الحصانة عن العضو المسلم، والمحور الآخر يتعلق بوزارة الداخلية فإذا ما قام الرئيس واناب الوزيرين المختصين بموضوع ومحاور الاستجواب انما هو طبق صحيح ما تقضي به المادة 136 من اللائحة والتي تطالب بان يرد الوزير المختص على موضوع الاستجواب، ورد الوزراء في هذا وما يترتب على ذلك من مواقف تعتبر ملزمة للرئيس والحكومة عموما باعتبارها متضامنة.
والله ولي التوفيق.
www.riyad-center.com