تصاعد منهج الصراخ والدعوات من النواب بالتهديد للذهاب إلى الشارع لأبعد مدى ـ وبدأت الأمور تأخذ منحى أخطر مما سبق بمحاولات البعض من النواب مصادرة حق نواب آخرين في اتخاذ موقف مؤيد للحكومة بأن اتخذ النواب المعارضون شعار «إذا لم تكن معي فأنت ضدي»، وهذا النهج من النواب أصبح خطيرا حتى وصل الأمر بالنواب الى التضييق على حريات زملائهم ممن يدافعون عن الحكومة ـ فهؤلاء النواب الذين يدعون الديموقراطية والحفاظ على الدستور يمارسون الآن إرهابا فكريا ضد كل من يخالفهم الرأي ويتهمونه بالعمالة والخيانة وتلك الممارسات تخالف القسم الذي أقسم عليه النواب ـ فلابد أن نضع اعتبارا لوطننا الكبير الذي نحبه والذي يجمعنا ـ فلا توجد ديموقراطية في العالم من دون القبول بالرأي والرأي الآخر، لذا ندعو الى الديموقراطية وأن نقبلها بكامل شروطها لا أن ينتقي منها النواب المعارضون ما يشاءون ـ فالتهجم على النواب المؤيدين للحكومة فيه امتعاض لحرية الرأي فضلا عما نسمعه من محاولة النواب الخروج الى الشارع لأن من نتائجها إحداث فوضى وبلبلة في البلاد بل ضرب للوحدة الوطنية ولكرامة الإنسان وأن في ذلك هدم ركن من أركان الدولة ـ أعود وأقول ان ما قام به النواب في ندوة الحربش كان لا ينتمي للديموقراطية بأي صورة إذ تعدت هذه الندوة من الخطب الى النزول للشارع وبذلك تحولت الندوة من اجتماع لطرح مواضيع معينة الى تجمع يستهجن القانون بل يجرمه بالقانون رقم 65 لسنة 1979 في مواده 16 و20 ولا يمكن ان ننال من حجج النواب ان هذا القانون قد ألغي بحكم المحكمة الدستورية العليا في 1/5/2006 فالمتتبع لهذا الحكم في حيثياته يجده بنصه على دستورية هذا القانون فيما جاء به بشأن الاجتماعات فقط دون التجمعات وهذا يعني ان نصوصه سارية على التجمعات وهو ما دعا الأمن للتدخل لفض هذه التجمعات التي صاحبت ديوان الحربش وضبطها عددا من المواطنين المثقفين الذين نالوا من الحكومة وقاموا بسبها بأبشع الألفاظ، وهكذا تحول «ديوان الحربش» الى ما يسمى بمظاهرات تندد بالحكومة وتحاول إسقاطها ومع فرض وجود تجاوز من عدمه في عملية تعامل رجال الأمن مع المتجمعين والمتظاهرين فإن كان فهو محل محاسبة من القضاء بصورة منفصلة عن الموضوع الذي هم سببه ـ هذا ما آلت إليه الندوات ومحاولة النواب النزول بها بالشارع ـ فضلا عن اقتحام النواب المعارضين دواوين النواب الآخرين المؤيدين للحكومة لفرض الرأي عليهم، ومعاداة الحكومة قد تؤدي الى تشاجر وتطاول بينهم ولا أدري إذا سقط أحد النواب في هذا الصراع الطائفي او القبلي فماذا تكون النتيجة المرتقبة ـ هي إشعال النيران والفتن في البلاد والدخول فيما يسمى بعمليات القتال في الشوارع أي اننا سنصبح لبنان ثانيا وتتحول الى حرب شوارع، هذه نتيجة ممارسة الديموقراطية بمفهومها المخالف وعدم تقبل الرأي الآخر، فالشعب الكويتي من الشعوب الواعية ويعرف الأساليب التي يتبعها بعض النواب لإحراج زملائهم لكن يجب ان يعلم هؤلاء النواب انه لابد من وضع مصلحة البلاد فوق كل شيء ـ فما يفعله النواب من محاولتهم إيصال رأيهم وذلك بالنزول للشارع ما هو إلا فوضى للديموقراطية وليس انتصارا كما يقولون لكرامة الشعب، فتلك الكرامة تتطلب منهم الحفاظ على البلاد لا إثارة القلاقل والأحقاد والفتن بين الشعب ولا أنفي أنه في ندوة الحربش تعرض كثير من المواطنين للأذى إلا ان ذلك نتيجة طبيعية لعدم امتثالهم للأوامر الصادرة لهم من الأمن بالتفرق وإلا كنا وصلنا لصراعات ومشاجرات وضياع لهيبة البلد، لذا برز خطاب صاحب السمو الأمير موضحا ان المسؤولية تقع عليه وأنه اتخذ مبادرة الدفاع عن مصالح الوطن بتفريق تلك التجمعات حتى ولو باستعمال القوة، وذلك حرصا من سموه على المحافظة على البلاد من الفتن ووأد الإشارة الى ان ثقافة اللجوء الى الشارع من النواب لإثارة قضاياهم وآرائهم لا تمت بصلة للحصانة التي يتمتعون بها، بل هي أقرب إلى الفوضى وتوقعهم في براثن تطبيق قانون الجزاء عليهم سواء أدى الأمر الى مشاجرات ومشاحنات او إتلاف للمال العام وهو المؤثم بنصوص المواد 160 و161 و162 و163 و249 و250 من قانون الجزاء، فضلا عما أورده قانون 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 وهي الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الداخل والمؤثمة بالمواد 25 و26 و29 و34 من ذات القانون والتي أورد لها المشرع عقوبات تتراوح بين 3 و10 سنوات باعتبارها جرائم تشكل خطرا على أمن الدولة من جهة الداخل ـ وهي الخاصة بتحريض القوات المسلحة او الشرطة على التمرد والاشتراك في تجمهر الغرض منه الإخلال بالأمن العام والحث على تغيير نظام الحكم بالقوة او التطاول على الدولة، نأتي لنقطة أخرى، ما جرى في المؤتمر الصحافي الذي عقد بندوة ديوان «مزيد» حيث حاول البعض من النواب خلاله إملاء موقف مؤيد لعدم التعاون مع الحكومة قبل الاستجواب وهذا دليل خطير لممارسة الديموقراطية وقد شهد المؤتمر الذي كان النائب «مزيد» دعا اليه لإعلان موقفه من الاستجواب، اعتداء على الإعلام على الرغم من ان ذلك كان في ديوانه وحذر من إقحام القبائل والطوائف في المعترك السياسي ويجب ألا تستخدم هذه القبائل كأدوات من أي طرف فضلا عن تدني الموارد بإعلاء الأصوات وكأننا في معترك ليس بسياسي وإنما معترك فرض الرأي بالقوة ـ لذا فالحكمة خير من النفخ في النيران، فالاعتصامات المنظمة التي حدثت أمام الدواوين فضلا عن المداهمات الشعبية لدواوين النواب طالب المعتصمون فيها بضرورة الإفصاح عن المواقف النهائية لهؤلاء النواب كأنه فرض رأي بالقوة وانتهاك لحرمة ومساكن الآخرين وهو المجرم بالقانون الجزائي في مادته 255 والتي تصل العقوبة فيها للحبس مدة لا تجاوز سنتين، فليس من حق النائب تقييم زميله بهذه الطريقة وانتزاع موقفه تجاه الحكومة بالقوة لما فيه من خطأ جسيم لأن النائب ملتزم بالوطن ومصلحته ككل والقسم الذي أقسمه باعتباره ممثلا للشعب ومصلحة الوطن وتحقيق المصالح الوطنية داخل المجلس فتقييم أعماله ومواقفه لا يتأتى فقط من بعض زملائه وإنما من سائر أبناء الشعب، ولذلك هناك تساؤل: هل يكون التقييم فقط على مواضيع يختارها من أعطى نفسه حق تقييم زملائه؟ وما فعله النائبان مسلم البراك بنزعه ميكروفون «الصباح» والنائب فيصل المسلم بنزع ميكروفون «العدالة» خلال الندوة التي أقيمت في قاعة الاحتفالات، خطأ فاحش لأننا من المؤمنين بحرية الرأي، وإذا كان لدى أي نائب اعتراض على أي وسيلة إعلامية فمن حقه ألا يدلي لها بأي تصريح ـ لاسيما ان ما فعله النائبان يسيء الى العلاقة مع الوسيلة الإعلامية، لذلك أقول ان المسلك الجيد الذي انتهجه مؤيدو مساءلة سمو رئيس مجلس الوزراء من فعلهم للاعتصامات والنزول للشارع من تجميع بعض المواطنين لفرض رأيهم بالقوة على باقي النواب في المجلس متناسين اننا نستطيع حشد الآلاف التي لا تتفق مع هذا التصرف ولكن هذا ليس بالعمل الديموقراطي وإنما هو بالأحرى سيجر البلاد الى كثير من القلاقل التي نحن في غنى عنها ويجب أن نترفع عنها، خاصة هذه الأيام، فبلدنا صغير ولا يحتمل مثل تلك الانفعالات والمحيط العام في المنطقة ملبد بالغيوم، ولا يعيبنا ان نختلف فنحن في مؤسسة ديموقراطية، وهناك الرأي والرأي الآخر، مادام في حدود الممارسة الديموقراطية ولا ينحرف عنها، وذلك حتى نصل الى ما تصبو إليه البلاد من رقي سياسي وديموقراطي.
www.riyad-center.com