لا أحد فينا يدري كم بقي من عمره، كم سنة سيعيش فوق ما عاش، ولا كم شهرا ولا يوما ولا ساعة ولا حتى دقيقة.
لقد بنيت الحياة وقامت على غموض الموت وتغييب موعد دقته باب قلب المرء، وهذا هو السر في كل ما ينتجه الناس في الحياة أو ما انتجوه في حياتهم.
ولنا أن نتصور لو أن الإنسان يعرف ساعة غيابه، فأي بؤس سوف يعيش وأي عناء سوف يعاني وأي كرب سوف يصاب به.
إنه سيقضي حياته مهموما مكدودا منكودا، نهاره في كدر وليله في غم وسأم.
سيكره كل لحظة يعيشها وسيلعن الحياة ويستسخفها ويستهين بها ويزدريها ويراها لا تستحق أن يبذل في سبيلها حبة عرق واحدة. فلن يعمل ولن يزرع ولن ينتج ولن يبدع، لتستحيل الحياة والأمر كذلك خرابا يبابا خاوية جدباء.
بل سوف ينقطع النسل البشري ففيما لو عرف الإنسان موعد نهايته سوف يحجم عن الإخصاب والتوالد والتكاثر البشري، فلماذا التزايد والتكاثر ما دام كل منهم يعرف ساعة موته ويعيش في نكد وكدر منتظرا حلولها الأسود.
لذلك جاءت الحكمة الربانية بتغييب ساعة انقضاء الحياة عن قلب المرء وانتقاله الى عالم الصمت الأبدي، حتى يعيش الإنسان مزهوا في حياته التي لا يعلم متى تنتهي ويحبها ويخلص لها ويعمل على تزيينها وتجميلها فيبدع ويخترع ويفكر في كل ما من شأنه إغناء الحياة وتجميلها وجعلها جنة الإنسان الأولى.
إن اليائس والمتمارض والمتشائم والموسوس والمشكك والمقهور ومن هم على هذه التصنيفات السلبية والمكروهة هم في الحقيقة يستجلبون الموت إلى أنفسهم ويعيشون الحياة وهم أموات ويقضون حياتهم يقلبون في أمور هم ليسوا مسؤولين عنها أو من المفترض ألا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد.
شؤون الحياة لها نظام كوني يسيرها ويكيفها ويلونها، وليس من مسؤولية الإنسان محاولة التدخل في هذا النظام أو تعديله وتبديله أو التفكير بأنه معني بصورة خاصة بهذا النظام أو بجزء منه.
فيا أيها الإنسان عش حياتك واغنم فضائلها ومحاسنها وانصرف عن مساوئها وبشاعاتها.
فكر كيف تعيش ولا تفكر كيف تموت.
[email protected]