هل كانت الشعوب العربية بانتظار مغامرة كالتي أقدم عليها الشاب التونسي محمد البوعزيزي عندما أضرم النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد كي يتم تسليط الضوء على الطبقة الكادحة والمسحوقة في الوطن العربي، وكي تشعر الحكومات العربية بحجم المعانات التي يعاني منها المواطن العربي من فقر وجوع وبطالة وظلم؟!
والسبب كما هو معروف يرجع لانتشار الفساد الحكومي وهيمنة كبار المسؤولين بالدولة على مقدرات الشعوب وأمواله وأعتقد أن الحكومات العربية لم تقرأ التاريخ جيدا، فجميع الثورات في العالم قامت إما بسبب الجوع والفقر أو الظلم وهدر كرامات الشعوب، وهذا بالفعل ما هو حاصل في أغلب الدول العربية فأصبحت اغلبها دولا بوليسية وتطبق قانون الطوارئ بصفة دائمة وتقيم المحاكم العسكرية وتصرف المليارات من الدولارات لبناء السجون والمعتقلات وليس لبناء المدارس والجامعات، هذا بالإضافة لنسبة الفقر والبطالة العالية في تلك الدول وسوء الخدمات وانتشار الفساد الحكومي، فماذا تنتظر تلك الحكومات كردة فعل من شعوبها المظلومة.
الغريب في تلك الأحداث هو القرارات الحكومية المصاحبة لثورات الغضب الشعبية، فمثلا عندما يعلن رئيس دولة مضى على حكمه أكثر من 30 عاما ووصل لسدة الحكم عن طريق الدبابة كما هي العادة في أغلب الجمهوريات العربية، واستمر بالحكم بديموقراطية عربية خالصة وبنسبة نجاح انتخابية تتجاوز 99%، فيعلن أنه لن يعيد ترشيح نفسه لولاية أخرى على الرغم من أن الدستور العربي يعطيه الحق بالبقاء بالحكم مدى الحياة ويورثه لأبنائه من بعده كما هو حاصل مع الأغلبية، وزعيم آخر يتنازل عن نصف مرتبه الشهري بعد هذه الأحداث، وزعيم ثالث يقيل حكومته ويستبدلها بحكومة إصلاحية، وزعماء آخرون يعلنون عن إصدار حزمة من القوانين والإجراءات الإصلاحية وزعيم معتوه يعلن الحرب على شعبه للبقاء بالسلطة، فإن جميع هذه الإجراءات الغريبة حدثت لسببين إما للمحافظة على الزعامة قدر المستطاع أو للهروب من المساءلة القضائية والملاحقة الدولية، وهي في الحقيقة توابع لزلزال البوعزيزي الشهير، الذي فجر أيام الغضب في العالم العربي، فكان ذلك بداية عهد جديد في العالم العربي وهو عهد الحرية والديموقراطية التي أنهت بدورها عهد الظلم والاستبداد، كما فعلت الثورة الفرنسية في القرن الـ 18، والتي اعتبرت فترة تحولات سياسية واجتماعية كبرى في التاريخ السياسي والثقافي لفرنسا خاصة وأوروبا بوجه عام والتي عملت على إلغاء الامتيازات المطلقة للإقطاعيين ولطبقة الارستقراطية، وكذلك أنهت النفوذ الديني الكاثوليكي في تلك الحقبة، فاعتقد أن العدوى انتقلت للعالم العربي ولكنها تأخرت كثيرا جدا، فحفظ الله الكويت وأميرها وشعبها من كل مكروه.
[email protected]