لقد تطرقنا في المقالات السابقة إلى أربعة أمور رئيسية للإدارة بالأخلاق كمرتكزات لمقالنا وكمدخل لاقتراح الحلول لإصلاح الإدارة الكويتية حيث بدأنا: بالإدارة بالأخلاق في ديننا الحنيف، ومظاهر الأزمة الأخلاقية في الإدارة الغربية، والقواعد الأخلاقية للإدارة الكويتية القديمة، ومظاهر الأزمة الأخلاقية في الإدارة الكويتية الحديثة، وفي نهاية هذه السلسلة نرسي القواعد المقترحة لإصلاح الإدارة الكويتية من خلال استخدام أسلوب الإدارة بالأخلاق، وهي:
أولا: فلسفة جديدة لإرساء القواعد الأخلاقية في الإدارة ومحاربة الفساد:
نحن نعيش في أزمة فساد وأخلاق إداري ولكن لا ردة فعل مناسبة سواء من الحكومة أو السلطة التشريعية فالمشكلة أننا منذ سنوات ودرجاتنا ترتفع في مدركات الفساد ومؤشراته من خلال المقاييس الدولية للشفافية، ومن خلال المقاييس المحلية بواسطة الجمعيات الأهلية، ومن المفروض ان يجعلنا هذا نستنفر على المستوى الرسمي والشعبي للقضاء على هذه الأزمة ومواجهتها بكل جدية، ويتطلب من حكومتنا الغراء أن تتخذ فلسفة جديدة ورؤية حديثة للعمل الإداري الحكومي والعمل في الخدمة المدنية، ومن أكثر الدول التي يزورها لدينا الرسميون والمسؤولون الحكوميون في الكويت هي سنغافورة، وكنت أتمنى أن نستفيد من التجربة السنغافورية التي اتخذت فلسفة جديدة مناسبة لتوجهها لتكون مركزا عالميا تجاريا - كما نريد نحن - فعملت على تشجيع العاملين في الخدمة المدنية على التحلي بأخلاق العمل وهي:
الأمانة والنزاهة، والانضباط والشفافية والاستعداد للمساءلة عن أي تصرفات يقومون بها، وتحمل المسؤولية، والإتقان، والمشاركة، والتقويم المستمر، والنقد الهادف، ولتشجيع هذه القيم أنشأت دائرة لقياس الأداء على ضوء هذه القيم، ووفق هذه الفلسفة احتلت سنغافورة المرتبة الرابعة على العالم في معدل الشفافية عام 2008، بدرجة 9.2، وأما الكويت فتحتل الدرجة 65 على العالم بدرجة 4.3، فأولى درجات الإصلاح هو اعترافنا بتخلفنا في هذا المجال خاصة ان عام 2003 كانت درجة المؤشر لدينا 5.3، أي بمعنى اننا بدلا من أن نتقدم تأخرنا، فيجب أن تكون لدينا فلسفة جديدة ورؤية لتعزيز القيم الأخلاقية كما فعلت سنغافورة.
ثانيا: إنشاء دائرة قياس معدلات الأداء والأخلاق:
كتقسيم إداري حكومي يتبع مجلس الوزراء لقياس الأداء، والنظم والقواعد الأخلاقية في الإدارة العامة، والخدمة المدنية.
ثالثا: تعزيز مفاهيم الإدارة بالأخلاق في ديننا الإسلامي من خلال:
1- تدريسها كمادة أساسية ملزمة في جميع جامعات الكويت العامة والخاصة، خصوصا أن مادة إدارة الأخلاق إحدى المواد الملزمة في جميع برامج ماجستير الإدارة في الولايات المتحدة أي ليست بتجربة جديدة ونستطيع أن نستفيد من هذه التجارب.
2- طباعة الكتب والأبحاث التي تخص الإدارة بالأخلاق، وتشجيع الباحثين على البحث من خلال رصد ميزانيات البحث والجوائز السنوية.
3- إلزام موظفي الدولة والقطاع الخاص بأخذ دورات في الإدارة بالأخلاق، خاصة القياديين ومتخذي القرار، لأن التزام القياديين يوفر نخبة إدارية قيادية واعية، وهذا بدوره يؤدي إلى التزام الجهاز الإداري بالنظم والقيم الأخلاقية.
رابعا: وضع ميثاق أخلاق الوظيفة وإلزام العاملين بتطبيقه.
ـ ويذكر د.فؤاد العمر في كتابه القيم «أخلاق العمل وسلوك العاملين في الخدمة العامة والرقابة عليها من منظور إسلامي»، أن بيت الزكاة كانت له تجربة في وضع ميثاق الأخلاق - وإن لم يطبق - ويمكن الاستفادة منه في هذا المجال، وملامحه كالتالي:
ـ العلاقة بين الموظف ورؤسائه وزملائه من خلال التعاون بينهم والطاعة وأداء العمل والنصيحة.
ـ توجيه وتشجيع أخلاق العمل الإيجابية، مثل الإبداع، وحسن المعاملة للمراجعين، وإنجاز العمل.
ـ حفظ حقوق الموظف وممتلكات المؤسسة وعدم إفشاء الأسرار.
ـ البعد عن التصرفات المنافية للتعاليم الإسلامية وللقوانين والأخلاق العامة والعرف والتقاليد.
خامسا: وضع قانون للشفافية ومحاربة الفساد:
على مستوى القطاع العام، والخاص، استنادا إلى القواعد الدولية وقواعد الدستور الكويتي، كما في اغلب الدول المتقدمة.
سادسا: تشجيع التبرع والمساهمة في تنمية المجتمع:
من خلال فرض ضريبة 2.5% على أرباح الشركات، وإعفاء من يتبرع بهذه النسبة.
سابعا: تشجيع القطاع الخاص الأجنبي على الاستثمار في الكويت وتوظيف الكويتيين:
استنادا إلى تجربة شركة الداو في شراكتها مع صناعة البتروكيماويات الكويتية حيث ان أغلب العاملين هم من العمالة الكويتية باختيار الأميركان لأنهم أرخص كلفة عليهم من استيراد العمالة الأميركية ويتمتعون بنفس الكفاءة والتعليم، وجدير بالذكر أن أرباح الكويت من هذه الشراكة بلغت حتى الآن 10 مليارات دينار كويتي.
ثامنا: تشجيع مؤسسات القطاع الخاص الكويتية على توظيف العمالة الكويتية:
بنسبة لا تقل عن 5%، وحرمان من لا يلتزم بذلك من المناقصات الحكومية والدعم الحكومي.
تاسعا: عمل استبيان سنوي تديره منظمات محايدة ودولية حول الفساد ومدى الالتزام بالشفافية على مستوى الكويت:
ووضع تصنيف على أساسه للمؤسسات الكويتية سواء على مستوى القطاع العام أو الخاص، ونشره بوسائل الإعلام المختلفة كوسيلة ضغط للالتزام بالشفافية ومحاربة الفساد في هذه المؤسسات.
عاشرا: إلزام وتشجيع المنظمات والجمعيات المهنية على وضع مواثيق ممارسة المهنة:
بالأخص للأطباء والمهندسين والمحاسبين، والمدرسين والإداريين، ومحاسبتهم على مدى التزامهم بهذه المواثيق، وسحب ترخيص من يلتزم بها، أسوة بجميع المنظمات المهنية العالمية.
ختاما، وفي نهاية هذه السلسلة أشكر كل من راسلني وأثنى على هذه السلسلة وأخص بالذكر عادل بورسلي، زيد النويف، د.عصام الربيعان، د.طارق الدويسان، د.نوري البشير، والمحامي ناهس العنزي وغيرهم فلهم جزيل الشكر والثناء وأسأل الله أن تجد هذه الأفكار والحلول مكانها في الإدارة الكويتية المعاصرة.
والله الموفق...
[email protected]