ياسر العجمي
يأتي عام دراسي جديد ويذهب عام وأولادنا يحملون أنصاف أوزانهم من الكتب، تنوء ظهورهم الصغيرة بأحمالهم الثقيلة في رحلة الذهاب والعودة.. تكسو ملامحهم البريئة علامات الملل والتبرم، فالمناهج المليئة المتهدلة بالحشو لا تزال هي ذاتها، والأسلوب التلقيني القائم على الاستظهار لايزال هو الحاكم بأمره، والكادر التعليمي لايزال يدور في نفس الدوائر القديمة، لا تطوير طال أساليب المعلمين والمعلمات ولا جديد في آلياتهم وطرق تعاملهم مع الطلاب، ولاتزال المنظومة التعليمية ترزح تحت ثقل البيروقراطية وأحمال الروتين!
اللهم إلا تجديد لا يذكر هناك، وتطوير طفيف هنا لا يسهم في صناعة نقلة نوعية حقيقية في المنظومة التعليمية، ولا يوجه التعليم في بلادنا إلى انعطافة جديدة تغير طرق سيره وتعيد تشكيل مفرداته وتطوير آلياته، وبالتالي تحسين مخرجاته.. فتحسين مخرجات التعليم دون شك هو العامل الأهم في بناء مستقبل أفضل لبلادنا، وسيمكننا من مواجهة تحديات عصرنا بتأهيل العناصر البشرية الواعدة التي تساهم في بناء الأوطان وتشكل العصب الرئيس في الاستثمار.
حملت لنا الصحف العام الماضي الكثير من البشائر المتعلقة بالتعليم وتطوير المناهج وتغيير الأساليب المنتهجة في إيصال المعرفة والعلم للطالبات والطلبة، واعتماد آلية التكوين التي تحرض العقول على التفكير والأذهان على السؤال والمعرفة والتفكر في آلاء الله وسننه في الكون، والابتعاد عن الآلية التلقينية التي تستظهر الدروس وتحفظ المفردات دون إدراك. سمعنا جعجعة ولم نر طحينا، وهاهو العام الدراسي الجديد قد أتى ونحن ندور في ذات الطاحونة القديمة، ونجتر نفس الهموم والشجون المتعلقة بالتعليم!
وكل قرار تتخذه الوزارة لا بد أن يتسكع في دهاليز التجربة وممرات الروتين، فمازلنا بعد مرور السنة الثانية من تجربة النظام التعليمي الجديد في الكويت والقائم على التعليم التراكمي للابتدائي (الملف الانجازي) ونظام الثانوي الموحد القائم على المعدّل التراكمي، لم نسمع قرارا باعتمادها في المدارس أو باستبعادها، وهل أثبتت نجاحها أم فشلها؟ بغض النظر عن النتائج المشبوهة وغير الواقعية التي ظهرت العام الماضي!
وأتساءل أي جيل يا ترى سيحصد ثمارها ويجني غرسها؟ هل جيل أحفادنا هو الذي سيطبق عليه هذا النظام بعد أن يكون قد خرج من نطاق الخدمة، وتجاوزه الزمن وانتهى تاريخ صلاحيته؟! تطوير المناهج ودمج بعض المواد والحذف والإضافة التي أُعلن عنها في الصحف هو الآخر يجرب! والزمن الذي سيتم فيه اعتماد وتطبيق المناهج التي تجرب اليوم في جميع المدارس لايزال أيضا في علم الغيب ولابد أن يأخذ نصيبه من التسويف والتأجيل! ولا ندري متى سيتم تطبيق المناهج الجديدة أو اعتماد غيرها رغم الحاجة الماسة لتحديث المناهج وتطويرها، لتواكب التطورات التي تنتهجها البلدان المتقدمة كي ترتفع بمستوى التعليم عندها؟! وكل ما أخشاه هو أن ينتهي تاريخ صلاحية هذه المناهج قبل أن يقرر اعتمادها من عدمه!
زد على ذلك، لايزال مطلب تغيير المناهج في هذا الزمن العاصف بالأحداث والذي ينوء ثقلا بسرعة مجرياتها يُقابل بمعارضة شديدة. وكأنما يمس بعض الناس مس كهربائي من مصطلح تغيير المناهج أو تطويرها، فلا يستطيعون أن يروا فيه إلا سوءا في السمعة أو رغبة في التآمر، وذلك يصيبهم بـ «ارتكاريا» تدفعهم إلى الرفض حتى قبل مناقشة الفكرة وتفكيك حيثياتها ومناقشة أبعادها.
وغالبا ما يتهم صاحب الفكرة بالميل إلى التغريب والبعد عن الدين والرغبة في الانسلاخ عن المبادئ والمثل والقيم التي تحكم مجتمعاتنا.
ويلعب سوء الظن العامل الأكبر ليلقي بأشخاص يؤرقهم حب الوطن والرغبة في نهضته في زمرة عدم الملتزمين بدينهم وثوابتهم. ويجادل المعارضون لتغيير المناهج قائلين: إن المناهج القديمة أخرجت إلى الساحة عددا كبيرا من الأطباء والمهندسين والمعلمين الذين أسهموا في نهضة هذا الوطن، متغافلين عن أن العبرة ليست فقط بعدد هؤلاء المتعلمين، ولكن بالإبداع والاختراع الذي تتفتق عنه أذهانهم.
وحقيقة يملؤني الألم وأنا أرى الطلاب في المراحل الدنيا لايزالون يستظهرون بعض المواد الدراسية دون فهم أو وعي، لأنهم بالتأكيد يحتاجون للكثير من المهارات الذهنية التي لا تمتلكها عقولهم في هذا العمر الغض! فيحفظ الطالب ويردد عبارات لا يفهم معناها ولا يدرك المراد منها، فتفقد العملية التعليمية معناها وبالتالي لا تقفز به إلى مشارف المعرفة.
والأولى بنا أن نلفت نظره إلى تمام خلق الله وبديع صنعه ونثير اهتمامه كي يتأمل فيما حوله، ونرتقي بذوقه الجمالي وحسه المعرفي ليتعرف على وحدة الخالق من خلال إدراكه لوحدة المخلوقات وانسجامها وتناغمها.
وبذلك نقوده إلى محبة هذا الخالق الذي سخر للإنسان الكون بما فيه وطوعه لخدمته وإسعاده، وقس على ذلك الكثير من المواد الأخرى التي لاتزال تغرق في الحشو والإطالة وقدم المعلومة وانعدام الفائدة منها. عملية تطوير التعليم وتحسينه، وتغيير المناهج وغربلة مفرداتها عملية لا تحتمل التأجيل أو التسويف، وهي اليوم ضرورة حتــــــمية في عالم لاهث تشــــتد فيه ضراوة التـــنافس في مضمار العلم والمعرفة، وركب التقدم بالتأكيد لا ينتظر المتأخرين ولا المسوفين!
وهج:
أتمنى من وكيل وزارة التربية الذي أكد في تاريخ 20/8 في عدد من الصحف أن عملية تجهيز وصيانة المدارس قد تمّ الانتهاء منها، أن يزور منطقة علي صباح السالم - أم الهيمان ليتأكد هل تمّ اصلا إجراء صيانة أو تجهيز لتلك المدارس، أم عادت مشكلة أم الهيمان مرة أخرى؟