لا غرو ان لكل دولة متمدنة آفاقا ثقافية وتراثا خالدا وشخصيات تسبر أغوار التاريخ بعطاءات لا تُكل ولا تُمل. ويزداد سطوع هذه العطاءات وتسطع كالرواسي الشامخات ان كانت مسلحة بثقافة وعلم وإدراك قد تسبق به أقرانها. وذاك لأن الله سبحانه قد باين وميّز اشخاصا في عطاءات وكفاءات ومهارات سبقوا بها غيرهم.
وأكاد أجزم بل وأقطع من خلال المعاشرة والمعاصرة بأن المرحوم الشيخ جابر العلي السالم الصباح، رحمه الله وأحسن مثواه قدوة مميزة كويتية، إن لم تكن وحيدة عصرها بما حباها الله من خلق وتقدير وتقويم للأشخاص والعائلات بعيدا عن الاهواء ومنأى عن نفسه - للثقافة الغالية - عن الخلافات والانصاءات أو أن يكون «أذنا» تسمع لذا وذاك سواء كان صادقا أو واشيا أو حاقدا، غلف كل ذلك باطلاع وثقافة قلما جاراه أحد من أقرانه من الأسرة أو من الشعب.
نسرد بعضا من صفاته وأخلاقه، رحمه الله، وعلاقته بالناس للاستدلال على ما ذهبنا إليه.
٭ كان الشيخ جابر العلي، رحمه الله، ومن حقبة الستينيات للقرن الماضي قارئا نهما ومطلعا على شتى الأمور المحلية والاقليمية والعالمية في عدة مجالات لاسيما السياسية والثقافية والاجتماعية. لم تصدر أي مطبوعة في أي مكان إلا وهو قارئ لها، ومما ساعده آنذاك على ذلك كونه وزيرا للإعلام.
٭ في منتصف السبعينيات وعندما أراد أن ينهض بنوعية الفكر الإعلامي الكويتي استدعى آنذاك اكاديميا نشطا وهو الدكتور عبدالله النفيسي حيث اقترح عليه تقديم برنامج حواري تلفزيوني اسبوعي مبدئيا له وأن له الحق في اختيار المواضيع والضيوف من داخل وخارج الكويت من دون رقابة او شريط أحمر وكان للدكتور النفيسي برنامج اثار وثقف الناس (المائدة المستديرة).
٭ أوكل لوكيل وزارة الإعلام حينها محمد السنعوسي والعاملين في الاذاعة والتلفزيون بتطوير الفن والمسرح والتمثيليات، والتشجيع لتأسيس فرقة التلفزيون والتي كان لها ما لها ولم تتجه أنظار المشاهدين والمستمعين في الكويت والخليج والدول العربية الا لتلفزيون وإذاعة الكويت ـ وحتى يومنا هذا لا نزال في برامج سنوات الطيبين.
٭ هو الذي بادر بدعوة المطربين والمطربات العرب وعلى رأسهم أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ للغناء للكويت وبلهجة كويتية.
٭ كان له صالون أدبي مرتين في الأسبوع في مجمع النقرة الشمالي حيث كان يلتقي بحضور من كويتيين وغيرهم لمناقشة ما يدور في ساحتنا العربية والعالمية حيث يتيح المجال ويشارك في هذه الحوارات والإشادة الى المراجع والكتب بالأسماء والعناوين حتى يكاد يذهلك بسعة فكره وبغزارة علمه ومعرفة لا مجذوذة.
٭ وكان عنده إلمام تام بجميع مكونات والعائلات الكويتية نسبا وأصلا وفصلا وتاريخا وعطاء، حتى أطلق عليه وعلى المرحوم الشيخ عبدالله الجابر الصباح «موسوعات وفكر كويتي».
ـ زرته يوما مع زميل له خلال هذه الصالونات في نهاية الجلسة. وبعد سماعنا لعطائه ومنهله للحضور انصرفوا وعندما هممنا بالانصراف طلب منا الجلوس ليبين لنا تقدير الزيارة. كيف ذلك؟ سرد لزميلي تاريخ أسرته وعطاءها وعطاؤه. ثم التفت سائلا يا دكتور يوسف إن لعائلتك محسوبية على آل الصباح حيث فعل أجدادك كذا وكذا ووالدك يعقوب، وعدد الاسماء وحتى النساء منهم حيث كان يتردد على اخوالي في منازلهم ليتغدى معهم لدى جدتي، رحمهم الله أجمعين.
رحمك الله يا أبا علي، ارتجلت وباعدت عن عطائك للمجتمع الكويتي والذي كان آنذاك وبوجودك في أمس الحاجة لعطائك الشامخ، وكان ارتجالك مثالا للعزة والشموخ وثقة النفس.
[email protected]