[email protected]
من واقع قراءتي للكتب التي صدرت من كتّاب (الغرب والشرق) والمستشرقين، نجد أن الدين الإسلامي يتفق مع الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، كما يتواءم مع هذه الفطرة في احتياجاتها البيولوجية والسيكولوجية وتطلعاتها الطامحة للمعرفة وسبر أغوار هذا الكون الهائل العجيب المتفرد!
بيد أننا حين نناظر ونرجع البصر فيما حولنا نجد أن هذه الفطرة الإنسانية قد تأثرت تأثرا بيّنا بما أحدثه التقدم التكنولوجي المعاصر في وسائل الحياة وطرق المعيشة وطبيعة العلاقات البشرية ابتداءً من الجماعات الصغيرة وأقرب نموذج لها هو (الأسرة - العائلة) وصارت (الميديا) هي الموجه الأول للإنسان والأسرة والمجتمع لتعاملها السريع مع الحدث والرؤى والنظريات التي تتداول ضمن الشبكة العنكبوتية، وهذا يمثل اليوم طبيعة هذا العصر الإلكتروني الرقمي.
إنني متفائل مع المتفائلين الذين يرون أن (عصر الإسلام) قادم بقوة، وهذا يقين كل مسلم موحد تقوده خطاه الى حب الدعوة إلى الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وكثير من المسلمين في السابق كانوا لا يؤمنون بضرورة حصول الإعلام الإسلامي على الدعم الخيري من صدقات وزكوات، وفي المقابل يقدمون في سبيل هذا كل العطاء في رضا تام وسرور بالغ، خاصة أن (يقين المسلم) يقوده إلى (الحب الخالص) وما يعنيه من بذل من أجل مستقبل الدين الإسلامي القويم.
إن ما نراه اليوم من تحرك جماهيري لنصرة الدين شيء متوقع من أمة التوحيد واليقين.. تذكرون يوم احنا صغار ماذا علمتنا المدرسة؟
يأتي مدرس الدين ليعلمنا القول البليغ لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حينما قال: والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه ما تركته!
أليس هذا هو اليقين الإسلامي الخالص الذي ارتسم على جبين رسولنا الكريم محمد بن عبدالله الذي ميزه الله عن غيره من الرسل والأنبياء؟!
الله أكبر.. أليس هذا هو اليقين الإسلامي الذي تعلمناه من مدرسة النبوة التي تحتكم دائما الى إيحاء الفطرة وإملاء السليقة وهدى البصيرة؟!
من يفتح على (الميديا) ويتابع التواصل الاجتماعي بكل أذرعه الممتدة في الشبكة العنكبوتية يرى حجم الهجوم على الدين وليس الخوف من الملاحدة فقط، بل هذه موجة شاملة تستهدف قطاعات الشباب على وجه التحديد من الحداثيين والملحدين وعبدة الشيطان وأصحاب الضلال والتكفيريين وأصحاب الملل والأحزاب الفاسدة، فالهجوم اليوم على الدين في العصر الكوروني وفي الآونة الأخيرة بدعوى التحرر والتحضر وغيرها من الدعاوى الباطلة، وليس من المصادفة كذلك أن نجد من بين من يتشدقون بهذه الدعاوى بعضا من أهلنا وذوينا وشبابنا وبعضهم يُحسبون علينا وهم ليسوا منا!
إنها حرب خفية وأخرى معلنة يقودها (أبالسة الأنس) من وراء ستار ويُدفع إليها آخرون حسنت نواياهم أحيانا وخبثت في معظم الأحيان!
٭ ومضة: نحمد الله أن بلدنا محافظ والدين له مكانة عند الناس بمختلف شرائحهم، ومهما حاول خصوم التيار المحافظ إلا أن سطوة الدين والتدين ظاهرة في المجتمع الكويتي ومن غير مزايدات، فالكل محترم نفسه، والكل يحاول ألا يمس الآخر لأننا باختصار دولة متحضرة يقودها (العود) الى بر الأمان دائما يعاونه عضيده سمو ولي العهد وشعب فيه الدين متأصل من الصغير إلى الكبير. تبقى هناك فئة ضالة مضلة الله يصلحها (النار تبي وقود)!
ما أحوجنا اليوم الى عودة التربية الإسلامية إلى مدارسنا بتوسع، فهي صمام الأمان لصنع مواطن خفير يخاف على بلده وقيمه، وأيضا تأصيل الرقابة الذاتية واحترام الآخر ومبدئية الحوار، وحتى يعود الواقع الديني الى الأمام علينا أن نبادر بما يلي:
1 - وضع الدين في الأولويات، ونحمد الله عز وجل أن ولاة الأمور عندنا ليسوا بعيدين عن الدين ونصرته، وعمل دورات مركزة لخريجي الشريعة ليمارسوا التدريس.
2 - إعادة بناء الفهم الديني وحذف التفسيرات الساذجة والخلط الحاصل فيه من الإسرائيليات والتفسيرات والخرافات والقشور.
3 - إعادة تأهيل العاملين في المجال الديني، وعلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هذا العبء لخطورة هذا الأمر، والاهتمام خاصة بالمشايخ والدعاة الذين يعينون في المساجد ويحتاجون الى رقابة وتوجيه.
٭ آخر الكلام: إن واجب الكتّاب والمفكرين الإسلاميين اليوم أن يخصصوا أوقاتهم للحث على اعتماد الدين الصحيح القائم على الكتاب والسُنة ليأخذ المسلم وضعه الطبيعي بين العالمين.
قال تعالى: (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) يوسف 108.
٭ زبدة الحچي: يا وزارة الأوقاف، ويا كلية الشريعة، ويا معهد التعليم الديني ما أحوجنا اليوم إلى (الداعية المسلم) الذي أراه اليوم (عملة نادرة)، كلام معظمهم إنشاء ملّ الناس من سماعه وما عادوا يستسيغون سماعه، وأعرض الناس عنهم لعدم وجود القدوات مثل السابق، حيث رأينا الكثير من الأئمة والمشايخ والدعاة أصحاب القدوات الطيبة.
نعم.. نفتقر الى الداعية العصري الذي يتدفق حيوية وحراكا في سلوكه وعمله ويتصل قوله بفعله وكلامه بعمله، وقد تسلح بالبحث المستمر والدرس الدائب والثقافة الرفيعة الرحبة والفهم المستنير، فلم يصرفه شيء عن رسالته وهكذا هي الحياة تريد منا أن نبادر ونعي أهمية الدعوة في حياة الناس وصلاح المجتمع والدولة، فعليكم بالمدرسة والمسجد ومن قبلهما الأسرة والبيت لعظم شأن هذه المؤسسات، فاللهم ارزقنا نعمة اليقين والعمل وصفاء الإسلام وصفاء حامليه الذين رضيت عنهم يا رب.. ذلك لمن خشي ربه.
ما أحوج شبابنا إلى معلمين ودعاة على قدر الرسالة والمسؤولية، ويقول الشاعر محمد إقبال:
الحر لا يحلو عيشه إلا
كالصقر في قمم الجبال
ويرى الوكر مذلة
ضاقت بها همم الرجال
آمل أن تجد هذه الكلمات صداها والأذن المصغية..
وكل إناء بما فيه ينضح.
في أمان الله..