[email protected]
المربي الأستاذ أيوب حسين، اسم علم، غني عن التعريف، توفي وأنا في فرنسا ولم أحضر جنازته وتعزيته ولكنني في الغربة دعوت له لأنه علمني، فقد كنت طفلا وتلميذا صغيرا في مدرسة ابن زيدون الابتدائية ولم أعرف انه ناظرها الا عندما كبرت وعرفته عن قرب.
رائع هو الأستاذ أيوب حسين فهو مربٍ مسك الطباشيرة البيضاء وعلم أجيالا وكان وكيلا وناظرا وهو فنان تشكيلي ذو ريشة رفيعة المستوى في تخليد عبق الماضي بكل أصالته وصوره وموروثه وكان بحد ذاته كأحسن كاميرا توثق الصورة والجدارية.
من هو الأستاذ أيوب حسين؟
|
الشيخ عبدالله الجابر رحمه الله مكرما ايوب حسين بحضور رئيس جمعية المعلمين عبدالله الجاسم |
|
مع حفيده |
|
لوحة «السري» |
|
لوحة «مطبق زبيدي» |
|
طفل كويتي يأخد «الخلال» البرحي من الحمالي |
|
اثناء زيارته لاحدى ثانويات البنات مشاركا بلوحاته التراثية |
|
أول شهادة عام 1949 |
|
غلاف لاحد كتبه |
هو المربي الفنان ايوب حسين الأيوب القناعي، ولد بمنطقة الشرق حي (الجناعات) عام 1350 هـ الموافق 1932م.
تعلم على يد مطاوعة الكويت من المشايخ والكتاتيب ثم واصل في المدارس الحكومية وتخرج وعمل في التدريس وعين في مدرسة الصباح وظل مدرسا 11 عاما ثم الى مدرسة الصديق وابن زيدون حيث ظل ناظرا لها سبعة عشر عاما.
ثم ترقى الى التوجيه (التفتيش) مكتب التربية الفنية وشارك في تأسيس متحف الكويت وتقاعد عام 1979 بعد ان قضى أكثر من ثلاثين عاما.
رجال رافقوا مسيرته
عندما دخلت أنا جمعية المعلمين عام 1977 وتدرجت في اللجان وصولا الى أمانة السر فيها عام 1982 حتى عام 1986 كانت فرصة ذهبية لي كي أعرف من هو الأستاذ أيوب حسين، وكانت الجمعية خلال هذه الفترة (فترة رئاسة عبدالله الجاسم) تعيش فترة زاهية من العمل النقابي وكثيرا ما أقام الأستاذ أيوب حسين ـ رحمه الله ـ معارضه في صالاتها وكنت ألاحظ حجم الرجال الذين من حوله وهم في سدة عملهم في وزارة التربية من أمثال يوسف عبيد ـ عبدالله الجاسم ـ د.يعقوب الغنيم ـ راشد ادريس ـ عبداللطيف الخميس ـ جمعة ياسين ـ صالح شهاب ـ فاضل خلف...
كتبه ولوحاته وفكره
كان يحب الكتاب وله مؤلفات كثيرة موجودة اليوم في المكتبة الكويتية ومنها:
«مع الاطفال في الماضي»، «مع ذكرياتنا الكويتية»، «حولي قرية الانس والتسلي»، و«مختارات من اللهجة الكويتية».
كثيرة هي المعارض التي حضرتها في حفل الافتتاح لأنني من عشاق البيت الكويتي القديم والفرجان والبيئة الكويتية وكان هو نجم فيها فلقد ضم تاريخه مئات اللوحات الزيتية التي بيعت بأغلى الأثمان وكان عليها تنافس من «يحجزها اولا» لأنها تمثل الواقع التراثي الكويتي بكل صوره وأشكاله وهي ايضا ملتزمة ومحافظة وهو على العموم فنان معروف حتى على مستوى خارج الكويت وقد شارك في معارض تشكيلية كثيرة في الكويت وخارجها وبالفعل تعتبر كتبه ولوحاته هي فكره، وهي ميراث خدم تراث الكويت وفنها الاصيل.
اللهجة الكويتية
في عام 1997 أهداني نسخة من كتابه «من كلمات اهل الديرة» ألفاظ كويتية مختارة، وكان الغلاف رائعا يمثل «باب السور وكيف يقفل ليلا» واللوحة من رسمه وقال لي انت تكتب في الصحافة ولك زاوية ارجو ان ننتبه لأهمية إحياء لهجتنا الكويتية وتأصيلها في اذهان هذا الجيل الكويتي وكانت الكلمات في الكتاب نحو ألف وستمائة كلمة تقدم لنا صورة الماضي بما يتوافر لها من ايقاع جميل وبما تبعثه فينا من احساس وطني يشبع حنينا وشوقا الى ماض ستظل ذكرياته محفورة في القلب والوجدان، وهو بحق كتاب قيم وثمرة لجهود المربي الاستاذ ايوب حسين لمدة ثماني سنوات.
وكان يومها كما اتذكر يذكر بالخير استاذنا المرحوم بإذن الله حمد السعيدان صاحب الموسوعة الكويتية التي سدت في وقتها ثغرة كبيرة في المكتبة الكويتية بما تضمنته من معلومات وكان كثير الثناء على د.عبدالله يوسف الغنيم رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية.
متحدث دقيق
ما يلفت النظر في شخصية استاذنا ايوب حسين - رحمه الله ـ انه دقيق في معلوماته وحاضر الذهن والبديهة، حاذق وذكي ويعرف ماذا يقول ومتى يصمت.
كانت له جلسة يومية في جمعية المعلمين (احنا نسميهم جماعة الليل) يجلس مع مجموعة من المربين في صالة جمعية المعلمين وكان لا يخفي ابدا ذكرياته من عرس ورحلات وزيارات ومعارض وكان يروي لنا احيانا قصصا حدثت له وهو في عمر العشر سنوات يتذكرها بتفاصيلها الدقيقة منذ ان كان في المدرسة المباركية عام 1941-1942، وقد حدثنا مرة عن رحلته الى قرية الجهراء التي احبها وذهابه مع اسرة المدرسة بالسيارة (اللوري أو الكارفو او الوانيت الكبير) وكيف دخلوا من (باب اليهره) وزاروا المزارع ورأوا أشجار النخيل ويتحدث بكثير من الوقار عن استاذه حينذاك الاستاذ الفاضل عبدالملك الصالح - رحمه الله - وكيف اكلوا الرهش والبلاليط والبيض ويتحدث عن (بنچر) السيارة ولولا لطف الله لانقلبت.. وذكريات جميلة.
نهر عطاء
الاستاذ ايوب حسين بالفعل نهر عطاء لا ينضب كلنا نتذكر ابتسامته الجميلة ودوره الذي لا ينسى في العطاء التربوي والتعليمي والفني الفلكلوري التراثي الغني بالعطاء وهو من رجال الزمن الجميل، فقد حصد عشرات الجوائز على جهوده وعمله وادواره واستطاع بريشته الجميلة ان يرسم لنا احلى اللوحات عن كويت الماضي والاحياء والفرجان.
ولن تنسى له الكويت دوره في تأسيس متحفها (متحف الكويت) وقد بدأ مشكورا منذ عام 1956 بالعمل الوطني الكبير هذا تحت اشراف الاستاذ خميس شحادة مفتش التربية الفنية واشرف بنفسه على نقل اغراض الشيخ عبدالله الجابر - رحمه الله - من قصره الى قصر الشيخ خزعل وهو حاليا متهدم وعبارة عن انقاض، وقد عمل بجهد كبير في بنيان البيت الكويتي القديم وبما فيه من حوش الحرم وحوش الغنم والديوانية وكلها من الجبس وهذه عملية متعبة وحفظ لنا تاريخا عريقا.
حولي قرية الأنس والتسلي
عنوان ظريف لكتاب ألفه أستاذنا أيوب حسين وماذا كانت تمثل له منطقة حولي حينذاك؟
يقول: حولي كانت تبعد عن العاصمة الكويت بنحو 15 كيلومترا وهذه المسافة كانت بعيدة بعض الشيء عنا ويفصلها عن العاصمة بر صحراوي جميل تكثر فيه الخضرة أيام الربيع، وموقع حولي مع هذا البعد أصبح أمرا مغريا للإنسان حتى يذهب إلى حولي ويشاهد هذه القرية الجميلة من منازلها المبسطة وأشجارها من سدر وأثل وبعض النخيل، وكانت بيوتها طينية وغرفها مبنية من الطين أيضا وبعض هذه الأبنية كبارة والمفرد كبر وتعني غرفة صغيرة سقفها هرمي من الأعشاب والحصران (البواري) فلها طعم طيب يختلف عن غرف العاصمة من حيث المساحة والأحواش والنظافة وكذلك نظافة الطرقات الرملية فصارت متنزها للكويتيين يذهبون إليه كل ربيع ليسكنوا فيه إما بالتأجير، أو الشراء، وكانت تلك الأيام السيارات قليلة والناس لا يملكونها إلا القلة القليلة فكان معظم الأهالي ينزلون من العاصمة إلى حولي والعكس بواسطة سيارات الأجرة التي تسمى «عبرية» بالسابق حيث تقف هذه السيارات في صفاة الكويت وخاصة بعد العصر وينادي سائقها بأعلى صوته حولي.. حولي، فيتدافع أهل حولي على هذه السيارات وهي قليلة جدا لأخذ الأمكنة فيها آخذين معهم المؤنة والأغراض التي يحتاجون إليها في حولي وبخاصة أكل للماشية من أغنام وغيرها فتظل القرية هادئة طوال الليل والنهار لا مكائن كهربائية ولا كهرباء حتى الماء كان يباع بواسطة الحمير والجمال، وبعد الربيع يعود الاهالي الى بيوتهم في العاصمة وتظل بيوتهم بحولي مغلقة الى الربيع المقبل إلا انه كانت أيضا هناك عوائل تسكن فيها طوال أيام السنة فيبنون ويهيئون المنازل فيؤجرونها او تباع على من يرغب من المشترين، وقد كان كثير من الأطباء في الماضي يوصون المرضى بالسكن في حولي لابتعادها عن العاصمة ولهوائها النظيف خاصة أنها لا تبتعد عن البحر الذي فيه عدد من أشجار الاثل الجميل ويسمى اثل خالد ويزين تلك المنطقة الساحلية قصر الشعب العامر الذي تسكنه المرحومة الشيخة موضي المبارك وفيها أيضا قصران منهما قصر بيان الذي يملكه الشيخ احمد الجابر الصباح حاكم الكويت في تلك الفترة ويسكن حولي بعض الشيوخ فينشرون الأمن والاستقرار على هذه القرية.
حزاية الخنفساء وأبوالعريص
اعطي لكم مثلا مكتوبا على نجوميته في الحديث القديم، فلقد كتب في جريدة «الوطن» في 22/7/2012 في باب موروثاتنا الكويتية القديمة مقالا بعنوان «عاقبة الاعتداء» عبارة عن حزاية (قصة) تدور ما بين الخنفساء وابوالعريص وهو الفأر النرويجي، يقول: صلوا على النبي، ما يانا وياكم الا خير، لفانا ولفاكم وشر تعدانا وتعداكم.
ذات مرة كانت الخنفسانة قاعدة وسط الطريق فمر عليها ابوالعريص (وهو فأر ضخم)، فقال لها: يا خنيفيسينه.. يا طنيفسينه.. اشكعدچ في الدرب اتنيسينه؟
فردت عليه الخنفسانة قائلة: خنفس.. خنفس امك والطنيفسينه بنت عمك، ليش ما تقولي يالشمعة.. يا اللمعة يا بنت السلطان ليلة اليمعة؟
فقال لها: هل تتزوجينني؟
واخيرا وافقت الخنفسانة على الزواج من ابوالعريص وانجبت منه سبع خنفسانات وسبعة فئران.
وفي يوم من الايام طلب الصغار من امهم ان تطبخ لهم عصيدة، فوافقت الام على طلب ابنائها ولكنها لا تملك المواد اللازمة لهذه الطبخة كالطحين والدهن والدبس.
ففكرت في حيلة تجلب اليها تلك المواد، فتشاورت مع زوجها ابوالعريص ليذهب الى بيت الاغنياء ويقع في كيس الطحين، ولما وقع فيه جاءت العبدة لتأخذ منه فشاهدت ابوالعريص مختفيا فيه، حينها اسرعت العبدة الى سيدتها مخبرة اياها بما حصل بكيس الطحين فأمرتها بالقائه الى خارج المنزل، وهذا ما تريد الخنفسانة التي تعاونت مع زوجها واولادها في نقله الى مقر سكنهم.
بعد ذلك امرت الخنفسانة زوجها ابوالعريص بتكرار ما حدث ولكن بالوقوع في صفيحة الدهن، فشاهدته العبدة وابلغت سيدتها به فأمرت بسكبه في الطريق. فرحت الخنفسانة بما حصل ونقلته بالتعاون مع باقي افراد الاسرة ولم ينقصها بعد ذلك الا الدبس.
ولآخر مرة امرت الخنفسانة زوجها بالذهاب الى بيت الاغنياء والوقوع في جرة الدبس، وبما ان مادة الدبس لزجة جدا ولا يمكن الفكاك منها بسهولة فإن ابوالعريص المسكين حينما وقع اراد الخروج منها من اول وهلة ولكن لم يستطع فمات وطفا على سطح الدبس. وكالعادة، شاهدته العبدة التي امرتها سيدتها بسكب كل ما في الجرة من دبس في الطريق.
ولما فقدت الام زوجها خرجت لتبحث عنه فوجدته ميتا بجانب الدبس المسكوب، فتعاونت مع صغارها في سحبه الى الغار وجلسوا حول جثمانه يبكون ويلطمون قائلين: ويص ويص يا بونه.. ويص ويص يا بونه.
أيوب والمرض
كان يطبق المثل «يا صبر ايوب» في حياته، ففي عام 2010 زرناه بعد ان تشافى من المرض في جمعية المعلمين بعد ان رقد في فراش المرض اكثر من 20 يوما في مستشفى زين بمنطقة الصباح الطبية لتلقي العلاج من آثار وعكة صحية داهمته طيلة خمسة اشهر، وكان استاذنا ايوب حسين قد تعرض لجلطة ودخل في غيبوبة لايام ومن بعدها لاحظت انه قلل ظهوره وحضوره الى جمعية المعلمين ومشاركاته الاجتماعية.
تكريم «الأنباء» له
كان من ابرز الشخصيات الوطنية التي وضعناها ضمن مسؤوليتنا الاجتماعية في عملية التكريم القادمة، وقد حادثته هاتفيا ووافق على المقابلة والتكريم لكن هادم اللذات سبقنا اليه وسيحظى بالتكريم باذن الله من ربنا عز وجل وكل الكويت و«الأنباء» في مقدمتهم.
أخر الكلام
بيان الرثاء الذي نشرته جمعية المعلمين عن أستاذنا أيوب حسين يمثلنا جميعا، وجاء معبرا عن مشاعرنا،
فجزى الله مجلس إدارة جمعية المعلمين الكويتية كل خير على هذا الدور الأخلاقي بحق من خدم مسيرة المعلمين.
إنا لله وإنا إليه راجعون.