|
الراحل الماص بشير الماص |
[email protected]
أصابني حزن عميق وألم وأنا أتلقى خبر وفاته منذ أيام مضت، رحل العم الماص بشير الماص ـ أبو بشير ـ بعد ان استرد الله أمانته فيه عن عمر يناهز 88 سنة (1926)، وأنا أعتقد أنه أكبر من هذا العمر حقيقة ومقاما.
يا مال الجنة عم «أبو بشير» يا حمامة المسجد، أيها المتصالح مع نفسك ومع الآخرين، أكيد منطقة القادسية اليوم حزينة وأنت من أوائل الناس الذين سكنوها ملتصقا بها كالمغناطيس المشع من اسمك ـ رحمك الله.
من هو العم «أبو بشير»؟
العم الماص بشير الماص ـ رحمه الله ـ ولد في منطقة «جبلة» وبدأ حياته بالبحر مع خاله غانم سالم المفتاح ـ رحمه الله ـ ثم عمل بالفرضة قليلا ثم التحق بوظيفة «نجار» في ميناء الأحمدي وانكسرت رجله فكره العمل هناك، ثم انتقل الى دائرة المعارف بمدرسة المثنى ثم انتقل الى مدرسة صقر الشبيب الابتدائية رئيسا للفراشين، تنقل في السكن من القبلة الى النقرة ثم الشامية وأخيرا القادسية.
كان بارا جدا بوالدته وعمه وحتى العمال المحيطين ببيته من مزارعين وعمال وجيران.
عرفته عن قرب عندما عينت عام 1972 في مدرسة صقر الشبيب وكان العم «ابوبشير» حينذاك رئيسا للفراشين وكان يجلس عندي في غرفة الإشراف أوقات راحته وهي قليلة، لأنه كان كالنحلة هنا وهناك، وكأن المدرسة سفينة وهو النوخذة، وكان يحب ويقدر ناظرها المربي الفاضل الأستاذ محمد عبدالرحمن الفارس الذي كان يحترمه ويقدره وكلفني بأن أشرف على عملية تقاعده وقد فعلت.
أتذكر العم «ابوبشير» في رحلتين نظمتهما لمجموعة من أصدقائي المعلمين، حيث طلعنا في رحلة بحرية مع شركة الأسماك الكويتية في احدى كرافاتها وكان مسرورا بهذه الرحلة لأن حصيلة الصيد كانت كبيرة وكان رحمه الله يضحك ويقول: خووش ايدام، «ناكل ونوكّل»، ويقصد انه سيهدي بعضه لجيرانه وأصدقائه وهذا من طبعه الكرم والفزعة وحب أهل الكويت وجيرانه وأهله.
في الاحتلال الصدامي الباغي لم يخرج من الكويت بل كان دوره مشهودا في تثبيت الناس وجعل منزله مأوى لأبطالنا من الشباب المقاومين وأشرك ابنه «بشير» في سياقة سيارة النظافة وتوزيع الأموال بعد تسلمها من الأخ احمد باقر النائب والوزير السابق وتوزيعها على المحتاجين من سكان القادسية الكرام.
ومضة: أفل نجم هذا العم العابد الزاهد بعد ان ترك لنا ولدين هما: بشير ويوسف، وأربع بنات، وكنت كلما أحببت أن أسأل عنه، أكلم ابنتي «شذى» التي تقول: «لقد عيشني أبي كأميرة..».
آخر الكلام: يقول لي ابناي بشير ويوسف انهما واخواتهما سيقومون بعمل مسجد له، وآمل ان يتحقق هذا الحلم وان كنت مازلت أذكر بسمته وهو يسألني عن أحبة توفوا وهو لا يعلم انهم غادروا المكان قبله، كما زرته قبيل رمضان أو في الأعياد.
عزاء.. وأي عزاء في هذا الكويتي الجميل، هادئ الطباع، عفيف النفس، الحبيب الحنون، بعد ان خطفه هادم اللذات فجأة وهو العزيز المتربع في قلوبنا وضمائرنا بعد ان أحببنا فيه «الأبوة» الدافئة وتلك البسمة الساحرة التي تأسر الألباب، وليس لي في هذه المصيبة إلا ما تعلمناه في ديننا، قال تعالى: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) البقرة: 156، وصدق الشاعر:
ولست أرى السعادة جمع مال .. ولكنّ التقي هو السعيدُ
يا مال الجنة عم «ابو بشير»، والله إنا لفراقك لمحزونون وتسقط عبرة.. تتلوها عبرات، وهكذا هي الدنيا موت قادم لا محالة.