[email protected]
يا الله، لِمَ الخوف دائما يحاصرنا؟ هل كتب على أمة العرب والمسلمين هذا؟
رغم أن كلمة «خوف» ثلاثة حروف (خ.و.ف) فإن عكسها «أمن» أيضا من ثلاثة حروف (أ.م.ن).. كيف ذلك؟
كلنا ندري ونعرف ومتأكدون أن الخوف شعور فطري مزروع داخل الإنسان وتظهر علاماته في حالة الطوارئ أو ما يهدد حياتنا.
الاستراحة اليوم عن «خوف يحاصرنا»، لا ليس خوفا فقط وإنما هلع وفزع، فالتطورات على كل صعيد تجعلنا نعاني من علامات الخوف، وهي:
- سرعة نبضات القلب.
- الشعور بالتوتر والقلق.
- جفاف الحلق والفم.
- زيادة التعرق، خاصة كف اليد.
- فقدان الشهية.
- الشعور بالتعب والوهن والخوار والدوار.
- وأزيد حالة من «ضيقة الخلق» والكآبة والنرفزة والألم والبغض والحسد والتكبر والصوت العالي والشماتة والجبن.
قال العلماء إن هذا مرده إلى الغدة النخامية التي تفرز هرمونها المحرض لإفراز «الأدرينالين» وقت الخوف وهو خاص بالغدة الكظرية التي تفرز في الدم التغيرات الكيميائية والفسيولوجية، وهذا كله يهيئ الإنسان لمواجهة الخطر أو الهروب منه، كما نشعر به عندما نكون في متون الحروب والبارود ودوي الانفجارات، أو عندما يهاجمك حيوان أو إنسان عدو فتضطر إما الى الاستسلام له تحت ضغط الخوف وتداعياته أو المواجهة، وكلنا نذكر الشعر الجميل:
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر
في حياتي ما عرفت الخوف، وخضت غمار حروب حاملا قلمي وكاميرتي كي أغطي لـ «الأنباء» الاستطلاعات الميدانية في أفغانستان وإريتريا والبوسنة والروهينجيا ومورو، واليوم أكتب عن «الخوف» والذي يمر بنا نحن البشر وبعضنا يعترف وآخر يكابر ويبقى الخوف ويبقى الخطر ونبقى بشرا، وهذا ما يجب أن نعترف به في أي موقف أو ردة فعل بلا أي مبالغة وشعاري: الجبان مقتول بالخوف قبل أن يقتل بالسيف، والشجاع حي وإن خانه العمر، وحاضر إن غيبه القبر.
«خوف يحاصرنا».. استراحة نوعية مستقاة من خواطر نفسية تخصني وأنا هنا أميز الخوف عن الشك أو القلق المصاحب للخوف.
هناك أنواع من الخوف مثل الخوف من الله سبحانه وتعالى ومن نار جهنم والردة وأعباء الحياة، واستجدت أمور مثل داعش والحوثيين وغيرهما من أذرع الشيطان الكبير الساعي لتدمير هذه الأمة بأحلامه التوسعية، والسؤال لربما الذي يمكن أن يطرح على الاستراحة: كيفية علاج الخوف؟ وهل الخوف مرض؟ وكيف أعالج هذا الخوف الكامن في كل نفس إنسانية هنا وهناك؟ تدرون ماذا قال سقراط: استهينوا بالموت فإن مرارته في خوفه.
جدتي، الله يرحمها، فاطمة أحمد عبداللطيف النهام امرأة عظيمة، أرجوكم ادعوا لها في هذا اليوم المبارك، علمتني وأنا صغير أن الخوف باق ما دمنا عايشين، وقالت لي: خلك يا وليدي في الأذكار الشرعية لأنها تزيل الخوف والذعر، رسولنا صلى الله عليه وسلم علمنا الأذكار، اقرأ المعوذتين وآية الكرسي في القرآن الكريم راحة وطمأنينة.. رحمك الله جدتي، امرأة أمية تعلمني نظرية مقاومة الخوف في الستينيات والسبعينيات.. يا مال الجنة يدتي مثواك الجنة، وكانت تردد رحمها الله وتعلمني الآية: (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) الأنعام 15.
الاستراحة تقول لكم جميعا إن الإنسان الصادق الشجاع المتيقن من دينه بأنه منجاة له من الانحراف والكفر والردة والشك والوسواس الخناس هو إنسان موحد يخاف الله سبحانه، قال تعالى: (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسّه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا) ـ المعارج (19 - 21) والقاعدة يا ناسيا: «من خاف أمن، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم» احفظوا القاعدة هذه.
لهذا كله أقولها لكم بثقة إن الخوف من الله سبب السعادة في الدنيا والآخرة وهو نقطة ضعف في أصل خلق الإنسان (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا)، إذن المؤمن الموحد يخاف الله ولا يخاف البشر، إذن باختصار دعوني أوضح لكم حقيقة الخوف إن زاد عن حده أصبح قنوطا ويأسا وهو عين الكفر صح! يا حلو الشاعر جبران وهو القائل: الخوف من الجحيم جحيم، والشوق إلى الجنة جنة.
أما إذا قادك خوفك الى طاعة الله عز وجل وزادت عندك علامات الطاعة فهذه والله علامة الخوف الصحيح، فاحرص على ألا تقطع علاقتك بربك، واحرص على الرجاء فهو رديف الخوف، بمعنى أدق قلب المؤمن الموحد هو الذي يجمع بين المحبة والتعظيم والخوف والرجاء.. قالها لقمان الحكيم: الأمن مع الفقر خير من الغنى مع الخوف، وصلت الرسالة؟
على بركة الله نبدأ:
الخوف حقيقة
الخوف حقيقة حياتية موجودة عند كل إنسان ما دام حيا، ويختلف الخوف من إنسان إلى آخر، وأعظم إنسان أراه من يخاف الله كأنه يراه ويقيس كل الأمور بهذا المنظور الإيماني.
الخوف موجود داخل كل نفس بشرية تشعر بخطر حقيقي قادم، وتستجيب لهذا الخوف طواعية وتتجاوب بحجم هذا الخوف القادم، وتكلمت في بداية الاستراحة عن هذا الخوف، ويهمني الآن أن نصل الى كنه هذا الخوف وكيفية حدوثه لأنه بالفعل شعور مجرب يسبب التوتر الحاد والقلق، ومن الممكن جدا ان يأخذك الى عملية القلب المفتوح او السكتة الدماغية او مقبرة الصليبخات او صبحان او الجهراء على حد سواء.
وتتنوع أسباب هذا الخوف وأعماره وردود فعله، ويتأثر بنو البشر بالتأثيرات المختلفة، وكلما كبرت قلت يا ليتني ما كبرت، لأنك صغيرا لا تفكر في الخوف والموت، وعندما تزحف السنوات تصبح تفكر في الصغيرة قبل الكبيرة وتختلف الأولويات.
لست هنا ـ والله ـ أخوف الناس، لأن الناس جاهزون خلقة للخوف من الموت، ولكنني أشير إليه بنظرة المؤمن الموجهة لضرورة محاصرة هذا الخوف حتى لا يكبر ويحاصر حياتك.. إنه مدمر، وحله ان تجعل أمرك عند الله.
الخوف سوط الله في أرضه
الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه قادم، وأخوف الناس هم أقربهم لربهم، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أعرفكم بالله، وأشدكم له خشية» (رواه البخاري)، ثم يأتي العلماء، قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ـ فاطر: 28.
إذن الخوف ظهر أثره على القلب ثم ظهر على الجوارح، وعلاماته الاصفرار والبكاء (الغشي)، وإذا زاد الخوف فقد يفسد العقل (يضرب الفيوز)!
قال بعضهم: «من خاف أدلج» والخوف الحقيقي ان تترك ما تقدر عليه، وليس الخائف من بكى!
ومن أبرز ثمرات هذا الخوف الذي يصيب الإنسان انه يقمع داخل نفسه الشهوات واللذات، فتتحول المعاصي المحبوبة الى مكروهة، وأقل درجات الخوف ما يظهر أثره في الأعمال بأن يمنع المحظورات، لذا نقول: «فلان ورع يخاف الله».
أقول إن الخوف سوط الله تعالى يسوق به عباده الى المواظبة على العمل الصالح والعلم والعبادة خوفا وتقربا لينال البشر رضا الله عز وجل، وكما قيل: ان الخوف له افراط وله اعتدال وله قصور، والمحمود من ذلك الاعتدال، وهو بمنزلة «السوط» والمبالغة في الضرب بالسوط غير محمودة، فإن أردت مثلا ان تؤدب دابتك فاضربها الضرب غير المبرح تستقم. جعلنا الله من الذين يخافون ولا يغترون بهذه الدنيا حتى نصل الى مرادنا «جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين».
أنواع الخائفين
شفتوا شكثر فيه ناس في هذا العالم الواسع، هناك أنواع منهم خائفون على شكل أنواع كثيرة صعب حصرها، فهناك الخائف من الموت، وذاك خائف من رئيسه في العمل، وهناك خائف من هذه الدنيا بكل مشاهدها، يخاف الناس والسيارات والطائرات والقطارات والبواخر، وهناك من يخاف الحيوانات، وأردى أنواع الخوف هو من يجترئ على الله فلا يخاف الله ويجاهر بكفره ويتمادى في الكفر والإلحاد حتى يأتيه غضب الله فيأخذه أخذ عزيز مقتدر فيصرخ يا ليتني!
أنا وملايين أمثالي، وأنتم إن شاء الله، نحسب حسبة يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل وكيف نعبر على الصراط والخوف من أهوال القبر والبرزخ والنار أو حرمان الجنة.
هناك من يتقدم به العمر ويخاف سكرات الموت وشدته ونزع الروح وسؤال منكر ونكير وعذاب القبر، يا الله كم خوف يحاصرنا نحن البشر!
ان المطمئن الواثق هو أعلى مرتبة الخوف من الله تعالى وهو ما اسميه خوف العارفين الموحدين المؤمنين الزاهدين العابدين.
تريد عزيزي القارئ ان ترتاح بالا اجعل خوفك رجاء وهو لقاء الله تعالى والقرب منه (ولمن خاف مقام ربه جنتان) ـ الرحمن: 46.
يا الله، اقرأ وثق بالله (رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) ـ البينة: 8، وادحروا القنوط.
قسم من الله
قرأت في صغري كتاب مختصر منهاج القاصدين للإمام أحمد بن قدامة المقدسي، كتاب فيه أبواب عن الخوف وحقيقة هذا الخوف وبيانه وما ينبغي ان يكون الغالب من الخوف والرجاء وأتذكر الحديث القدسي، وفيه: «وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين، ولا اجمع له أمنين، ان أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وان خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة»، وأتذكر انه دار حديث طويل حوله ونقاش، من أورده هل هو ابن حبان ام البيهقي من حديث أبي هريرة في مجمع الزوائد؟ لا أعلم حقيقة الأمر ومدى إسناده غير انني حينذاك لفت نظري «الأمنين والخوفين».
إذن الرجاء رديف الخوف بمعنى هل أفضل الخوف أم الرجاء؟ وكأنك تقول الخبز أم الماء؟
وبعيدا عن القنوط واليأس وبسط التفاؤل أرى الاثنين ضروريين لأن الخبز يعالج الجوع والماء يعالج العطش.
أيها القارئ الحبيب اللبيب اعتدل في خوفك وأوسع مساحة الرجاء فالرزق والأجل عند ربك وإن آمنت بهذا فأنت مؤمن حقيقي تقي، رجاؤك أكبر من خوفك، والقَ ربك وأنت حسن الظن به.
الخوف أولويات
والمواطن والمقيم والإنسان العربي والمسلم والمسيحي واليهودي والبوذي وكل أنواع البشر وكل الديانات تتفق في أشياء تجمعهم وتكون هاجسهم وخوفهم الدائم، فالكل مثلا يخاف من الكوارث الطبيعية والحروب والمجاعات في السياق العام، أما من حيث الأولويات فيتفق الكويتي مع الأفريقي والآسيوي على أهمية وجود «دخل مالي» لتحمل أعباء المعيشة، ان توافر هذا الجانب يبدأ يتلفت يمنة ويسرة كي يطور حياته يريد تعليما، ورعاية صحية، وسكنا مستقرا، ومرافق وتنمية، ويختلف مجتمع عن آخر فعندنا هنا مثلا مشكلة البدون والقروض والمديونيات.
إذن الخوف دائما يحاصرنا لأننا نخاف على أولادنا وأحفادنا وهم مستقبلنا من عاديات الزمن ونتائج «الربيع العربي» السيئة على كل صعيد، وازدياد معدلات البطالة والضرائب والرسوم وسوق العمل، فعندنا اليوم «بطالة» وعدد كبير من أولادنا وبناتنا في البيوت لا وظائف لهم، وهذه حقيقة وخوف وترقب دائم.
أيها الناس في كل مكان الهم واحد والرزق بيد الله سبحانه فرزقك وأجلك بيد الرحمن الرحيم.. فلِمَ الهم والخوف؟!
ويبقى الانسان في خوف دائم مهما حاولنا التوازن.. لأننا بشر.
آخر الكلام
راكان بن حثلين، طيب الله ثراه ومثواه، شاعر وفارس وشيخ العجمان، واحد من الرجال القلائل الذين سطع نجمهم في كل أنحاء الجزيرة العربية وخارجها لفروسيته وأشعاره، واستطاع أن يتبوأ مكانة كبيرة ليس فقط في مجالس قبيلته، بل امتد صيته الى خارج الوطن العربي وتصدر الأدب الشعبي في كل البوادي والنوادي، غاب جسدا وظلت روحه وبطولاته وقصصه محفورة في أفئدتنا ومحفوظة في قلوبنا وعقولنا وضمائرنا.
إن الشيخ راكان بن فلاح بن حثلين كان نجما ورمزا وبطلا عربيا مسلما لا يخاف، ملأ الدنيا بأخباره وأشعاره ومواقفه وبطولاته، رجل استثنائي رحل عنا، غير أننا وغيرنا ما زلنا نتعجب من إقدامه وجرأته وشجاعته وعدم خوفه.
ونستضيف في الاستراحة «زيزوم يام» وأميره والقائل هنا هو الشيخ حمود الرشيد أمير قبيلة شمر، وليل هو ليل المتلقم أمير فخذ الهادي صورة بلاغية من كبار ولا أروع أن ترتبط بتاريخ بواحد لا يهاب الخوف والخوف يهابه ـ رحمه الله ـ ونعرض بعض أشعاره متقيدين بالعبارة «دارهم مادمت في دارهم» وهي حكمة قديمة، وقد كفتني هذه الحكمة جهد الكلمة والقول.
إن راكان بن حثلين أقلق راحة الأتراك، والكل قرأ قصة القبض عليه ونقله إلى بلادهم في زنزانة انفرادية وقصته مع الأسود العملاق الذي كان يقود معارك رهيبة مع العثمانيين حتى أعياهم أمره، ويذكر التاريخ أن الشيخ راكان الشجاع الذي لم يعرف الخوف طريقا الى قلبه قد طلب مبارزة هذا الفارس العملاق الضخم، ولكن القيادة العثمانية لم تأبه بطلبه لعدم التكافؤ بينه وبين الفارس العملاق، ولكن البطل راكان، رحمه الله، كرر طلبه حتى وافقت القيادة العثمانية وأخرجته فطلب مهرة (فرسا) يروضها على طريقته وظل شيخنا راكان، رحمه الله، أياما وهو منهمك في ترويض مهرته ثم نزل بها الى ميدان القتال غير خائف ولا وجل ولا متردد، صارخا الله أكبر فخرج إليه العملاق الأسود وعيناه يتطاير منهما الشرر فما هي إلا جولة أو جولتان وراكان، طيب الله ثراه، يزأر كالأسد الله أكبر الله أكبر وهو ملاق العملاق الأسود في بطولة عجيبة فيها وثبة الأسد وسطوة طيران العقاب الكاسر، وهناك أكثر من قول، أما الأول فإنه اختفه بخفة من ظهر فرسه وأسره وقدمه للعثمانيين، وهناك قول آخر قيل إنه قتله في ساحة المعركة بعد كر وفر.
قصة راكان وبطولته وعدم خوفه رفعت رؤوس العرب عاليا في ذاك الزمن، ثم أفرجت عنه الحكومة العثمانية في عهد السلطان عبدالحميد الثاني ورجع الى موطنه في الصمان وقومه وواضح أن جميع من كتب من رواة وكتّاب استندوا فيما كتبوه عن أسر راكان، رحمه الله، الى هذه الرواية، وهو حدث بين روايات شعبية ووثائق تاريخية.
لقد أغمض الزمن عينه عن بطولات وحكايات راكان، وهنا نحيي جهود الباحث أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري الذي صدرت له عدة كتب ودور الشيخ حمد الجاسر رحمه الله علامة الجزيرة، ود.سلطان بن خالد بن حثلين في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران وزكريا كورشون في اسطنبول، وأيضا الباحث د.محمد بن عبدالله آل زلفة، والشيخ عبدالله بن خميس، والشاعر طلال السعيد، والمرحوم عبدالله خالد الحاتم، والأستاذ يحيى الربيعان، والاستاذ الباحث القدير سعود بن غانم الجمران العجمي المحقق والناشر للكثير من المؤلفات والكتب مثل كتابه القيم «الدرر المفاخر في أخبار العرب الأواخر» وكتابه الجديد «سمط النجوم العوالي»، وأنا شخصيا أعتبر الكتاب جهدا فرديا ويشكرون على هذا الجهد، وأقترح أن يتم تناول شخصية بحجم «راكان» في موسوعة وقاموس متخصص ومرجع محقق، وأترككم مع بعض من أشعار هذا الشاعر الفارس الذي لم يعرف الخوف إلى قلبه طريقا، وجاءت أشعاره لتؤكد هذه الحقيقة.. استمتعوا وتعمقوا في المفردات والمعاني.
يقول الشيخ راكان بن فلاح بن حثلين، وهو في المنفى لسجانه حمزة، أو لربما يكون من المجاهدين معه في حروب البلقان:
أخيل يا حمزه سنا نوض بارق
يفري من الظلما حناديس سودها
على ديرتي رفرف لها مرهش النشا
وتقفاه من دهم السحايب حشودها
فيالله يا المطلوب يا قايد الرجا
يا عالم نفسي رداها وجودها
انك توفقها على الحق والهدى
مادام خضرا ما بعد هاف عودها
وأبدل لها عسر الليالي بيسرها
وجل المشاكل فل عنها عقودها
وأفرج لعين لا أقبل الليل كنها
رمدا وذارفها تغشى خدودها
وكبد من أسقام الليالي مريضة
عليها من جمر اللهايب وقودها
تقطعت الأرماس عنا ولا بقى
إلا وجود دايم في وجودها
حبيبي ومقصدي لعبده إلى عطا
واهايب افضاله ما تقاس مدودها
فيا حظ من ذعذع على خشمه الهوى
وتنشى من أوراق الخزاما فنودها
قصيدة طويلة أكتفي بهذه الأبيات لشاعرنا، وهي مادة أدبية زاخرة بالمعاني الجميلة وإشارات بها شذرات متناثرة تمثل واقعه الماضي، وأرى أن نسله وامتداده على دربه، فيا رب وفقهم لجمع الإصدارات في إصدار واحد يضمن توثيق الحقائق ويقدم للناس شاعرهم وفارسهم الشجاع في أجمل صورة وتبقى الحقيقة:
ما أجمل التاريخ حين يكون منصفا
بحق شيخ كان شاعرا وفارسا
للحق دافع بن حثلين بين خصومه
حرا طليقا، وللجهاد ممارسا
رحم الله راكان بن حثلين الفارس والشاعر الذي غدا اليوم أسطورة بين العربان والركبان، ومخلدا في بطون الكتب والمراجع، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ومنزلته الفردوس الأعلى من الجنة.. اللهم آمين.