[email protected]
التقيته في السبعينيات وأنا في جمعية المعلمين، وهو يملك مكتبة الربيعان للنشر، كنت أتابع كتاباته، خاصة فيما يتعلق بالديموقراطية وكنت مولعا برموز اليسار في بداية عهدي بالعمل النقابي، كان نقده يستهويني ويرضيني وكان هو بلا شك أحد المدافعين عن الدستور والمكاسب الوطنية وحقوق المرأة وضرورة نبذ الفكر الواحد، وظل يمارس هذا الدور الوطني والنقد حتى غدا رمزا للثقافة والفكر والتنوير والنشر على مستوى الوطن العربي، بعد أن شارك في حياته الحافلة بالعطاء في عشرات المؤتمرات والأسابيع والملتقيات والندوات والمحاضرات والفعاليات.
هو بلا شك أحد رواد الحركة الثقافية في الكويت والوطن العربي، مارس الكتابة الصحافية والتأليف والنشر، وهو أيضا أحد رواد الحركة التشكيلية الفنية وهو أحد الآباء المؤسسين لدور الكويت الثقافي من خلال إنشاء معرض الكويت للكتاب، وهو من أوائل معارض الكتب العربية، فهو تاريخيا الثالث عربيا بعد القاهرة وبيروت، وكان الأستاذ يحيى الربيعان مسؤولا عن المعرض الأول عام 1975.
من هو الأستاذ يحيى الربيعان؟
يحيى محمد سعد الربيعان، من مواليد 1943 في العاصمة الكويت، التحق بالجيش الكويتي إبان أزمة عبدالكريم قاسم 1961 وقطع تعليمه الثانوي وعمل في مجلس الوزراء عام 1964، وفي عام 1967 انتدب للعمل في مكتب سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء كسكرتير صحافي ضمن فريق عمل في لجنة الفنون والآداب في عهد الشيخ جابر الأحمد الصباح، رحمه الله، حينذاك يوم كان وليا للعهد، وفي عام 1975 انتدب الى المجلس الوطني للثقافة وشغل في البداية بقسم الشؤون الإدارية والمالية، ثم عُين أول مدير لمعرض الكتاب الأول عام 1975، واستمر فيه 11 عاما لغاية عام 1986 بعدها استقال من المجلس الوطني.
وأسس مطبعة الربيعان للنشر وألّف العديد من الكتب: «مقالات في الديموقراطية 2001 - الخيول الجامحة 1989- من أيام زمان 1995- ابن لعبون حياته وشعره 1966 - راكان بن حثلين 2004 - جوانب من حياة عبدالعزيز الصرعاوي 2003 - ملامح التاريخ المصور للشيخ عبدالله السالم 2002 - فيصل الدويش والإخوان 1997 - الحمام 1992 - إدارة المؤسسات الخيرية 2002 - تاريخ الطباعة والنشر في الكويت 1995».
وله مساهمات في كثير من جمعيات النفع العام ومؤسسات المجتمع المدني وتقلد فيها مناصب مثل رابطة الاجتماعيين التي انضم الى عضويتها عام 1968 وتولى منصب الأمين العام لها وله عضوية في المنبر الديموقراطي منذ تأسيسه ونادي السينما والجمعية الكويتية لحقوق الإنسان وهو عضو في معظم اللجان الخاصة بالثقافة في الكويت.
الوجه الآخر ليحيى الربيعان واهتماماته:
ولِع يحيى الربيعان منذ صغره بالكتاب وصار يبحث عن الكتب التي تروي عطشه الخاصة بالفتوحات والترجمات والوعي القومي والوطني وكل ما ينشر عن الديموقراطية والحرية وحتى القصص وكان يشعر الارتياح والسعادة والفرح اذا استعار كتابا وقرأه، ومن عشقه للكتاب كان يقرأ أحيانا الكتب «أمام مصباح بالكيروسين» وحتى كتب الأطفال والروايات لنجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهم، وهو منذ الصغر يمارس «الفن التشكيلي وله أعمال رسمها (بورتريه) مثل والدته وأصدقائه والطبيعة المحلية وسفراته» وكان عاشقا للماضي الجميل ومن أصدقائه الذين كانت لهم زيارات منتظمة لمكتبته د.يعقوب يوسف الغنيم - أبو أوس - والأستاذ إبراهيم الشطي ود.عبدالله يوسف الغنيم وكثير من الشخصيات الكويتية والخليجية والعربية، خاصة المولعين بالكتاب العربي، وهنا يذكر الشيخ جاسم الابراهيم في عام 1871 عندما طبع كتاب «نيل المآرب» في مصر لدعم التعليم والثقافة في الكويت.
وكان محبا لبعض دواوين الكويت في العاصمة ويزورها بانتظام، وأتذكر بعد التحرير كان يزورنا في ديوان محمد العجيري - بوقصي - في السرة وله صداقة طيبة مع اعضاء الديوانية من أمثال د.صالح حمدان ومحمد المنصور ومحمد العجيري وعبدالستار ناجي وحسن الصايغ والأستاذ مؤيد القريني وعبدالواحد الداود.
تخالجني دمعة!
في عام 1997 تناقلت الصحافة الكويتية خبرا عن نية الاستاذ يحيى الربيعان إغلاق مكتبته وتصفية جميع محتوياتها من الكتب والمؤلفات، ولقد شكل هذا الخبر صدمة لمحبيه ومحبي الثقافة والكتاب في الكويت وخارجها ما حدا بالزميل احمد الديين الى أن يكتب زاوية بعنوان: «جرس الإنذار!» وهو ينبه المجتمع الكويتي «لنصرة» مكتبة الربيعان التي أعطت الكويت 30 عاما وعطاءاتها المتنوعة في الثقافة والفكر والفلسفة والتنوير.
وكان يحيى الربيعان يقول وهو يناظر السقوط المريع للكتاب وانهيار مكتبته «تخالجني دمعة» حين أرى كتبنا تباع في بسطات سوق الجمعة ولم اكن اتوقع ابدا مثل هذه النهاية لدار عريقة أعطت الكثير!جدير بالذكر أن هذه المكتبة التي تمت تصفيتها قد خدمت الثقافة في الكويت عبر اكثر من «ثلاثين عاما» ودعمت النظام الديمقراطي في الكويت وحركة المثقفين.
لقد بيع الكتاب فيها أيام التصفية بربع دينار وتكلفته اكثر من دينار ولم تنفع أبدا المناشدات الشعبية التي دعت لتلاحق وقف انهيار هذه المكتبة العريقة وتاريخها، وتعزى الأسباب الى الحروب التي كانت في المنطقة وتقلص ميزانيات الثقافة وعدم وجود نقابة للناشرين تدافع عن حقوقهم.
وكان رحمه الله يثني على دور وزير الديوان الأميري الشيخ ناصر صباح الأحمد بدعمه ومساندته في تدعيم نشر الكتاب.
حوار هالة عمران
الزميلة هالة عمران كانت في عام 2009 في جريدة «عالم اليوم» وأجرت لقاء مطولا مع الأستاذ يحيى الربيعان، حفظت فيه تاريخه كله في حوار أجرته معه في 8/ 2/ 2009 وهو حوار احترافي شامل اعتبره مرجعية لتاريخ وصفحات الأستاذ يحيى الربيعان وقد اخترت لكم منه ما يخص مكتبة الربيعان ومقتطفات أخرى تسأله ويجيب.
متى دخلت عالم التأليف والإعداد، وما باكورة قلمك؟
٭ في السبعينيات وأول ما ألفت كتابا للشاعر «محمد بن لعبون» تناولت ترجمته بجمع كل ما قيل عنه وكل ما كتب عنه، وهو والده شيخ علم وأدب، وقد ولد العالم حمد بن لعبون في بلدة حرمه «شمال مدينة الرياض» بالسعودية، ومن أسباب تسمية جد حمد بن محمد بـ«لعبون» يرجع إلى حادث مفاده، ان بندقية ابن عمه، حمد بن حسين، قد انطلقت منها رصاصة سهوا فأصابت وجه جده فشطرت شدقيه، لكنه بعد فترة برأ منها، الا انها تركت فيه عاهة مستديمة اصبح على اثرها يسيل من فمه لعاب، فلقب بـ«لعبون» وسميت ذريته بعد ذلك «آل لعبون»، وآل لعبون هم من بني وهب من الحسنة، أحد البطون الكبار للقبيلة الشهيرة عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن عدنان، وقد انتشروا في مناطق حرمه والتويم والزبير، لقد كان شاعرا جيدا، كذلك كتاب «راكان بن حثلين» وهو شاعر من شيوخ قبيلة عجمان، وهم من زمن وقد رحلوا عن دنيانا وغيرهم كثيرون.
ما أهدافك من دخولك بمكتبة الربيعان الى عمق النشر؟
٭ كان هدفي ايصال الثقافة الى جميع القراء، وحبي للقراءة والكتاب دفعني الى فتح مكتبة وتقديم كل ما فيها للقراء، وفي ذات الوقت نشرت لجميع الأدباء والكتاب الكويتيين.
حدثنا عن مكتبة الربيعان من حيث عناوين كتبها؟
٭ يغلب على مكتبتي الطابع السياسي لحبي للسياسة، كما أن السياسة عامل حساس متغير والكتابة فيه مطلوبة ومواكبة الحدث في الساحة، فلم يعد الكتاب مجرد كتاب، بل من المهم والضروري مواكبة الحدث سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو تاريخيا، حتى يكون الكتاب رائجا.
هل اقتصر نشاط مكتبتك على الثقافة الداخلية؟
٭ الداخلية والعربية، فقد كان لنا حضور كبير جدا في المناسبات الثقافية العربية، وشاركنا في جميع المعارض العربية التي دعينا لها، وهذا له فاعلية في الثقافة العربية والمؤتمرات التي تقام بخصوص المجلس الوطني أيضا كنا نشارك فيها.
من عاصرت من الحكام ومن افضلهم؟
٭ عاصرت الشيخ عبدالله السالم أبو الديموقراطية، وصباح عبدالله السالم والشيخ جابر الأحمد، وعصر عبدالله السالم هو العصر الذهبي حيث كانت الحركة الاجتماعية والثقافية في طور التشكيل وقت انشاء الجامعة ووضع الدستور، فكم من مؤتمرات سياسية وصحافية عقدت في الكويت، فهو العصر الذي تشكلت فيه الكويت، فكانت الحياة عبارة عن حركة من النهضة المستمرة ولم نكن نعرف الأحقاد والأحساد.
عاصرت حقبة القومية العربية، كيف تنظر اليها وهل اختلفت؟
٭ اختلفت القومية العربية بسبب مطامع بعض الحكام والوحدة والقومية العربية كانت مطلبا لكل العرب وكانت سندا سياسيا.
من ساندك في المحن والأزمات، وما هذه المحن؟
٭ تعرضت لمحن صحية، حيث قفت زوجتي بجانبي وهذه الأزمة التي أعانيها جعلتني أقلل من قراءاتي وكتاباتي.
حدثنا عن زوجتك؟
٭ زوجتي سيدة فاضلة من الاسكندرية كانت زميلتي في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، تزوجنا عن قصة حب فقد جمعنا حب الكتاب والقراءة وهي نقطة الالتقاء وكنا نتبادل الكتب ولها دور محوري في حياتي.
من من أولادك اكتسب منك حب القراءة، وماذا عن أحفادك؟
٭ أولادي ستة هم: عهدي، فارس، عمر ورياض ورائد وناصر وأخيرا فجر، ولا احد منهم يحب الكتاب، والحمد لله اصبح عندي ثلاث حفيدات تربطني بهن علاقة حب ومودة، يأتين اليّ مرة بالأسبوع أو مرتين، ورغم حب أولادي للمواد الدراسية لكنهم لم يحبوا القراءة.
وماذا عن هواياتك؟
٭ أنا شغوف بالقراءة والكتب والرسم، فأنا فنان تشكيلي ولي أعمالي، وقد رسمت بورتريها لوالدتي أثناء حياتها.
مَن أصدقاؤك المتواصل معهم؟
٭ محمد القعود، حيث نتناقش حول المستجدات على الساحة الداخلية والخارجية والعالمية والعربية.
من عبق الماضي، حدثنا عن كويت الماضي؟
٭ كانت قائمة على الصدق والأمانة والاستقامة، فكان الشعب متحابا ومتعاونا، لقد فقدنا التكافل الأسري بسبب الماديات وتأثرنا بالعالم الخارجي، فلم يعد الفرد يعرف جاره.
ما يومك المفضل.. والسبب؟
٭ يوم الثلاثاء، حيث ألتقي أختي.
ماذا تطلب من الدولة؟
٭ أن تخرج لنا شخصيات اكثر، وتدعم الناس وتساعدهم على التنمية حتى يكون لدينا مثقفون ورجال سياسة يُعتمد عليهم من أجل مستقبل افضل للكويت.
حدثنا عن التكريم في حياتك؟
٭ لم يكرمني أحد ولا الدولة، رغم رحلة عطائي والتقصير ليس مني.
ماذا تعني لك الديوانية؟
٭ الديوانية صلة وصل بيننا وبين ما يجري في المجتمع، وهي بالنسبة لجيلي كانت تعني نوادي تعكس ما يحدث في المجتمع نهارا نناقشها ليلا، خصوصا أنها كانت سياسية، وجمال حياة الدواوين هو معرفتنا بكل ما يحدث، ونساهم في تقييم الأمور، وكان سابقا للديوانية صوت مسموع يحسب له ألف حساب.
وقد نعته جمعية الاجتماعيين بالعديلية وأيضا الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
رحم الله فقيد الكويت
رحل الكاتب والناشر الأستاذ يحيى محمد الربيعان عن عمر يناهز 76 عاما ودفن في مقبرة الصليبخات يوم عصر الأحد الماضي 23 صفر 1439هـ الموافق 12 نوفمبر 2017م.
رحم الله الفقيد يحيى محمد سعد الربيعان «بوعهدي»، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة وارزقه الفردوس الأعلى من الجنة وكل العزاء لعائلته ومحبيه وذويه وإنا لله وإنا إليه راجعون.