[email protected]
الدنيا والآخرة: مقارنة حاسمة.. عند الكثيرين غائبة!
لأن صلاح العمل بصلاح النية والسريرة.
في الحياة نسمع وتطرق مسامعنا عبارة «نقاء السريرة»!
وفي الحياة يقولون فلان «أبيض» على لسانه كل ما في قلبه!
ويقولون أيضا: فلانة «سوداء السريرة» أي تخفي ما في نفسها!
إذن نقاء السريرة ليس «عبارة عابرة» وإنما «خلق» وممارسة وانطباع وأثر!
قال تعالى: (يوم تبلى السرائر)، بمعنى: يظهر ما كان في الدنيا مستخفيا عن «أعين عباد الله» واضحا. «السرائر» هنا القلوب!
وقيل في التفسير إنها «الصوم والصلاة وغسل الجنابة»؟
قارئي العزيز في كل مكان: يا رب أحسن خاتمتنا جميعا «بنقاء السريرة لا بالدسيسة الباطنة للعبد التي لا يطلع عليها الناس»!
أيها الإنسان، يا بني آدم: إن الحسرة كل الحسرة، والمصيبة كل المصيبة ان تعاشر الناس وتخالطهم وأنت سيئ السريرة!
يعجبني قول عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه!
سيدنا الحسن رضي الله عنه قال: ابن آدم لك قول وعمل وعملك أولى بك من قولك، ولك سريرة وعلانية، وسريرتك أولى بك من علانيتك!
يقول ابن القيم، رحمه الله تعالى: «.. فكل محبة لغيره فهي عذاب على صاحبها وحسرة عليه إلا محبته، ومحبة ما يدعو إلى محبته، ويعين على طاعته ومرضاته، فهذه هي التي تبقى في القلب يوم تبلى السرائر»!
قال الشاعر المتنبي:
واذا كانت النفوس كبارا
تعبت في مرادها الأجسام
أيها القارئ الكريم: الله، الله في السرائر فإنه لا ينفع بفسادها صلاح الظاهر!
قال تعالى (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم - البقرة: 225).
ومضة: في هذا الزمن الذي كثر فيه «أصحاب الوجوه المتلونة» والنفوس المريضة الحاقدة «سوداء السريرة» ننصحهم بالتوقف والتوبة والرجوع الى نقاء السريرة التي امتلأت بحب الآخرة وإيثارها!
حديث اليوم للقراء أصحاب «نقاء السريرة» الذين يتذوقون معاني حلاوة القرب من الله ومخافة الحساب يوم الحساب ويقومون دائما بتصحيح الإخلاص لله وتصفية «قلوبهم وعقولهم وضمائرهم» من سواد السريرة!
تذكر: إياك أن تترك عملا مخافة الناس، وبدلا من ذلك اجعل لك خبيئة من عمل صالح لا يعلم به أحد غير الله عز وجل. الحل يا قارئي في زيادة العمل لا في ترك العمل وأحسن سريرتك ينتشر عبيرك ويهواك الناس.
آخر الكلام: سألني الابن طلحة الشامي عن علامات صلاح السريرة!
قلت له: يا ابني احرص على مخافة الله واعمل بعقلك وقلبك وضميرك بنقاء السريرة وتواضع وأصلح نفسك عند الاعوجاج وابتعد عن العُجب والكبر والولع بنقد الآخرين وبيان عيوبهم وانظر في نفسك أولا أنت ماذا فعلت في دنياك؟
والحقيقة الباقية: أن الكراهية والأحقاد هي «رذائل» بشرية تكمن في النفس وتجذرها.. للأسف!
عليك أن تعمل لآخرتك والتجافي عن الدنيا والاستعداد للرحيل وحفظ الوقت واجعل قلبك دائما خاليا من الحقد والغل واحفظ الفضل لمن قام به لك ولا تتعال وتغتر وتتكبر وتنكر وكن «داعية خير» في كل الأحوال وأعلن خوفك من الله عز وجل ومراقبته في السر والعلن واصدق في حديثك وأدِّ الأمانات لأهلها وابتعد عن التعصب والجدال واتباع الهوى تفلح بإذن الله.
في القول المأثور: لا تخف من نيات الناس عليك، بل خف من نياتك على الناس!
زبدة الحچي: المسلمون عندما يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم القائل: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، هذا يحمل نقاء السريرة ومعاني «التسامح والتعايش» انها والله «خارطة طريق» تمدنا بما نحتاج إليه من «أوكسجين» فيه حسن الظن بالناس جميعا ويمنع عنا كل ما يؤذي علاقاتنا ومشاعرنا وأحاسيسنا وتكدر البال وتعب الجسد، وبقاء المودة والألفة.
قال تعالى: (والله يعلم ما تسرون وما تعلنون.. النحل: 19).
قارئي الكريم: تلاحق نفسك وأصلح الظاهر ونقّ السرائر لأن الله عز وجل (يعلم السر والجهر)!
اللهم احفظ لنا سرائرنا وأوطاننا واسبغ علينا نعمتك وحكمتك وتوفيقك ورعايتك واسقنا من فيضك المدرار في الليل والنهار.
تذكروا يا أحباب ان العمل القليل مع صلاح الباطن خير من العمل الكثير مع فساد الباطن!
واعلموا أن أعمال القلوب افضل من أعمال الجوارح!
عليك المبادأة حالا فلا تعظّم «المخلوق» الذي يعيش معك على الخالق!
قال الإمام الغزالي رحمه الله: وليس شيء أقرب اليك من نفسك، فإذا لم تعرف نفسك فكيف تعرف ربك!
بالله أجبني كيف؟!
تأدب مع خالقك واعتذر عن كل ما بدا منك من «سخائم» الأمور «القلبية والسلوكية» وارجع الى خالقك وتب توبة نصوحا (ما لكم لا ترجون لله وقارا).. أي لا تخافون عظمته وغضبه!
يا رب وأنت أيها القارئ الكريم قلها معي: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت اعلم به مني.. اللهم أمين.. في أمان الله.