[email protected]
في كثير من الأحيان يصل الإنسان الى الزهد؟
وتقولون: كيف؟ وما هو الزهد الذي تقصده؟
أنا لاحظت في الحياة «تلازما بين الزهد والورع»؟
وقرأت ووقفت عند قول شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية: الزهد تركُك ما ينفعك والورع تركك ما يضرك.
إذن، الزهد بالضبط كما أراه وأتصوره أن تزهد بالمال والجاه والمناصب ومباهج الحياة!.. بمعنى ما عادت من أولوياتك.
بمعنى أدق كما وصف الزهد الجنيد: الزهد خلو القلب عما خلت منه اليد.
هناك حقيقة يجب أن أتصارح فيها مع «القارئ الكريم» وهي أن أرخص العطايا هي العطايا المادية لأنها تزول بزوال دنياك، أما أغلاها كما رأيتها في الحياة فهي «المنح الربانية» لأنك تستلذ بها في دنياك ثم تنعم بها خالدا في آخرتك.. وإن شاء الله بصحبة نبيك وأحبابك!
آه.. اذا تذكرت كل ما كتبت الان تعرف ان الدنيا لا تساوي جناح بعوضة وان الدنيا والآخرة في القلب ككفتي ميزان بقدر ما ترجح احداهما تخف الأخرى.. اللهم ثقل موازيننا يوم الحساب ليربح بيعنا بإذن الله.. التجارة مع الله دائما رابحة بخلاف البشر.
اليوم بعد صلاة الفجر التفت الي «العابد الزاهد» البروفيسور بوشميس قائلا: مالي أراك زاهدا معتكفا متوحدا!
قلت له: تخليت عن الدنيا وما فيها منصرفا للعبادة والتقشف!
قال: الله يزيدك من فضله صرت من الزهادة؟
يعني راح ترضى بالقليل والحقير والرخيص من الحياة؟
قلت: أبا شميس لماذا لا تتزوج؟
قال بسرعة دون تفكير: زهدت بالدنيا وانتظر آخرتي؟
قلت: خلاص اتفقنا ان «الزهد» هو الرخص بالدنيا واحتواء الاخرة بالأعمال والأفعال والأقوال وايثار الآخرة والفردوس الأعلى.. الله يرزقك الحور العين؟
وهنا أول مرة اشعر بأن أحدنا مودع هذه الدنيا.
وللعلم، ان كلمة «الزهد» تعني الزكاة لأنها قدر قليل من المال!.. كما تعرف في القواميس: «زهد يزهد زهدا وزهادة وزهدا فهو زاهد والمفعول مزهود عنه وهذا يعني زهد اي أعرض عنه وتركه مخافة الحساب او العقاب لاحتقاره او قلته او التحرج منه»!
والحقيقة: ان الزهد يورث السخاء بالملك والمال والحب يورث السخاء بالروح.
أختصر لكم ما أراه في الزهد بأنه النظر الى الدنيا بعين الزوال.
والزهد من خلال تجربتي المتواضعة في الحياة ان تؤثر الآخرين على ما في يدك بمعنى واضح لا المال ولا الجاه ولا السلطة تستهويك!
المسلمون الموحدون شعارهم: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة..) (الحشر 9) ما تنفقه لله مردود اليك أضعافا مضاعفة.. وفي كثير من الناس ضائع؟
كنت وانا «شاب يافع» استمع الى الشيخ عبدالله السبت «أبومعاوية»، رحمه الله، في منطقة القادسية وهو يتكلم عن قضايا الدنيا بلباس الزهد وظلت هذه المفردة في ذاكرتي «الزهد» تحوس في صدري حتى فهمت معناها واقعيا من الحياة لا من الكتب والمحاضرات والدروس؟
ومضة: سيدنا عمر بن الخطاب «الفاروق» رضي الله عنه يقول وهو يخاطب أبا موسى الاشعري: انك لم تنل عمل الآخرة بشيء أفضل من الزهد في الدنيا!
لا اعرف الشاعر القائل:
فلو شاهدت عيناك من حسننا
الذي رأوه ولّيت عنا لغيرنا
ولو سمعت أُذناك حسن خطابنا
خلعت ثياب الذنب عنك وجئتنا
خير من جسّد تعريف الزهد في أبيات شعرية رائعة!
آخر الكلام: تفاخرت قريش عند سلمان الفارسي يوما فقال سلمان رضي الله عنه وأرضاه: آتي الميزان يوم القيامة فإن ثقل فأنا كريم، وإن خف فأنا لئيم!.. اللهم احشرنا مع سلمان وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته الاطهار.
زبدة الحچي: نعرج بعد هذه الجولة الفكرية على العيش السعيد وهو العيش الابدي السرمدي وكما قال حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة».
ويبقى السؤال والتعجب من بني البشر: عجباً لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كل يوم مرحلة!
ويدعون ان يعملوا لدار يرحلون اليها كل يوم مرحلة!
اللهم اجعلنا ممن يرهبون الدنيا ويفضلون الآخرة، مثلما هي رهبة العبد من الله عز وجل على قدر علمه بالله وزهادته في الدنيا على قدر رغبته في الاخرة.. قولوا: يا رب، وتذكروا: كل من فاته عيش الجنة فهو لم يعش على الحقيقة وانما ينتقل في الدنيا الى موت اعظم منه في الآخرة.. هنا السر الأبدي.. ازرع دنياك لاخرتك.. اللهم اجعلنا منهم.