[email protected]
تعالوا معي اليوم نجول في قراءة متأنية صعبة في كتاب «قراءات في القرآن» لمحمد أركون!
العائد من لبنان، الزميل محمد الحسيني مدير التحرير، أهداني كما يقولون كتابا جديدا، وهي عندي من النعم وأعظم الهدايا!
والكتاب لفت نظري عنوانه (قراءات في القرآن).. وإن كنت أعرف مؤلفه من قراءاتي له سابقا!
الكتاب عبارة عن وصية فكرية للأخ الكاتب محمد أركون وهو من الجزائر، باحث ومؤرخ ومفكر وأحد كبار الشخصيات البارزة اليوم في الجزائر رغم وفاته في العام 2010، ومختص في علم الإسلاميات المعاصر، وله كتب عديدة باللغتين الفرنسية والانجليزية، وترجمت أعماله الى عدة لغات من أبرزها: «أين الفكر الإسلامي» ـ «نمو مقارن للأديان»، «التوحيدية» و«من منهاتن الى بغداد: ما وراء الخير والشر».. وهكذا نحن أمام واحد من مفكري الحداثة والعلمنة!
وخطورة الفكر المضاد انه باق رغم غياب صاحبه!
هذا الكتاب صدر في العام 1982 وهو أول مؤلفات الباحث الأستاذ محمد أركون وأعاد طبعه باضافة تعديل وتنقيح لإغنائه، وهو عبارة عن مجموعة وصايا كتبت على اكثر من عقدين!
الكتاب يجيش فيه كل إمكانات علوم الألسنيات الحديثة والدلالات السيميائية وتاريخ العقليات والاجتماع بغية تفكيك الخطاب التقليدي الموروث عن القرآن، كما يتطرق الى الموضوعات الأكثر حساسية وأهمية اليوم.. وهو بلا شك تشكيك وخلخلة لما علمناه من الكتاب وتفسيره من المحدثين الأصحاح!
الكتاب يتطرق الى مكانة الكتاب المقدس بصفته كلام الله، والشريعة، ووضع المرأة في المجتمع الاسلامي والجهاد الاسلامي السياسي!
كما يتناول الكتاب معظم قراءات القرآن وتفسيره ويعتبرها تركيبات بشرية!.. ونحن عندنا «نص القرآن» صحيح لأنه كلام الله، أما التفسير فهو حسب المفسر، ورحم الله الشيخ محمد متولي الشعراوي وتفسيره الشامل!.. وهناك رجال ونساء لهم جهودهم المشكورة في تفسير القرآن الكريم واعطاء (المتابع) (وجبة تفسيرية) طيبة لفهم القرآن والعمل به.
يشهد هذا الكتاب في إنجازه واكتماله على مدى خصوبة المناهج الجديدة التي دشنها الأخ محمد اركون (المؤلف) قبل ما يقارب النصف قرن، وسيظل هذا النضال حاسما بالنسبة الى النضال ضد كل أنواع الأصوليات، والملاحظ من كثرة مداخلاته في الفيديو الطعن الدائم بالقرآن الكريم!
واضح أن محمد اركون شخصية تميل الى النزعة المحافظية الاستشراقية!
ويعتبر المفكر اركون مفكرا صارما قاسيا مع نفسه والآخرين الذين يتمسكون بالكتاب والسنة ولا يقبل التساهل في آرائه المكتوبة او ما وراء إلقاء الكلام على عواهنه، ويعتبره اناس ذا عمق نظري او فكري ونادر «المثالية» في الوقت الذي اعتبره انا وغيري من «أنصار القرآن الكريم» ذا رأي مشكك بحقائق دامغة!
كان محمد اركون يرغب في الكشف دائما عن الوجه المتسامح للإسلام او بلورة هذا الوجه وصياغته على عكس ما انزل إليه!
يقول: القرآن يحتوي على التحفيزات والركائز التي تمكننا من الاستعادة المتواصلة للجهود الإنسانية بغية تصحيح معارفنا وتوسيعها وإغنائها، واذا ما قرأناه بالصرامة الفكرية الحديثة فإننا واثقون من الإسهام في تهدئة حنين الكائن البشري، وذلك التوق الحارق الى الأبدية والخلود، وهو توق او رغبة جارفة ما انفكت ترافق الانسان على مدار العصور!.. عبارات لا أجد لها معنى سوى التشكيك!
٭ ومضة: «قراءات في القرآن» كتاب للمؤلف محمد اركون نشره في العام 1982 في باريس، لكن سرعان ما نفد، ما جعله يفكر في طباعته للمرة الثانية لتزايد رغبة القراء والسوق له، خاصة مع الشروحات التي جعلت من القرآن مطلبا بالتالي اخذ الحلول السياسية مما جعل الكاتب يشرع الى تأليف كتاب آخر يضع التحولات العميقة والتعسفية واليومية التي طرأت على الممارسات الايديولوجية المسيّسة التي ترفع لواء الاسلام، وقد تفاقمت بوجه خاص إبان سياق الصراع على السلطة والبناء الوطني بعد الاستقلال في بلده الجزائر؟
٭ آخر الكلام: الكتاب يهدف الى احياء التاريخ والفلسفة النقدية والعلمنة ومواجهتها بالعقل الاسلامي عن طريق نقد مسلماته وادواته واساطيره دون اي هوادة او تنازلات او مجاملة!
كل كتب الاخ محمد اركون تتجه الى هذا المنحى الذي يفرضه على الباحثين والمفكرين!
٭ زبدة الحچي: الكتاب عبارة عن «وصايا» للاخ محمد اركون وهو عميق الفكرة التشكيكية وصعب العبارة، ووجد من يساعده وهو مترجمه هاشم صالح الذي لازمه وأراه تعب حتى استخلاص عباراته وسطوره ومفاهيمه لأنه بالفعل «قراءات» تحتاج الى قراءة متأنية لأنه من الكتب التي تأتي في هذه المرحلة في السياقات الاسلامية من الاجتهاد الى نقد العقل الاسلامي وعقد مقارنات للاديان!
الكتاب من 12 فصلا ويقع في 686 صفحة اضافة الى المقدمة.
في الفصل الاول طرح المؤلف هذا التساؤل: كيف تقرأ القرآن اليوم؟
وفي الفصل الثاني تساءل حول «مشكلة الصحة الإلهية للقرآن»؟
الفصل الثالث خصصه لقراءة سورة الفاتحة!
وفي الفصل الرابع: اعادة قراءة سورة الكهف!
وفي الفصل الخامس طرح الاجتهاد الى نقد العقل الاسلامي.
وفي الفصل السادس طرح تساؤلا: هل يمكن التحدث عن العجيب المدهش او الساحر الخلاب في القرآن؟
وهكذا هو المؤلف يتنقل بك من باب الى آخر، الى الفصل الثاني عشر والذي ختم به كتابه الضخم وخصصه حول: التشكيك المجازي للخطاب القرآني.
٭ الخلاصة: أنا لا انصح الشباب قليلي المعرفة بقراءة مثل هذه الكتب، فالكاتب محمد اركون اعرفه وسبق ان رأيت له الكثير من الفيديوهات وهو خير مدافع عن «الثقافة الفرنسية» ويحاول هذا الكاتب الجزائري الذي توفي في العام 2010 ان يربك دائما «العقل المسلم» بما يطرحه من «افكار معلمنة» لتضرب تسيّد الفكر الاسلامي النقي، لأن التشكيك بالقرآن بداية الالحاد؟
نعم.. انا اقول ان هذا الكتاب لديه مشكلة مع الاسلام او مع بعض من الاسلام؟
وفي الصراحة ان محمد اركون يعد اليوم رغم وفاته واحدا من كبار ورموز مفكري العلمنة في عصرنا وهو «متفرنس» حتى النخاع!
هو «مثقف اشكالي» صنعته الاحداث ليواجه الاسلام!
حاول ان يكون المفكر الاسلامي العصري!
هو رفيق للاستشراق لكن من بيت جزائري اسلامي!
20 عاما سعى محمد اركون ليكون كتابه «مرجعا» اجده رغم اقبال الاوروبيين على قراءته الا انه «ابدا» لم يصل الى الاقناع!.. الحمد لله ان القرآن ثابت في عقيدتنا!
كلمتي الاخيرة: ان امة التوحيد تستطيع ان تميز النص القرآني الصحيح، فكلما ابتعدت عن الجزيرة العربية «يضعف» هذا الخطاب ما يجعل التداخل واردا بين الايديولوجيات والعلمانيات والاسلام الصحيح القائم على الكتاب والسنة!
أتوقع مزيدا من الضوء على هذا الكتاب خاصة في «زمن الالحاد» وبروز العلمانية والجهل ومن يقودون التشكيك بالمسلمات الاسلامية؟
على العموم، الحداثيون اليوم وجدوا فرصتهم الآن والامة الاسلامية في حالة من الضعف الشديد، وكل منابر الاعلام والشبكة العنكبوتية ضد الدين الاسلامي!.. وإن كان هناك دور لا ينكر وجهود رجال القرآن الكريم وانصاره في كل مكان ولله الحمد والمنة وهم في تزايد!
لقد وقفت على اخطاء كثيرة في الكتاب ولست بصدد مناقشتها، غير انني «اتوقف» عند فكر محمد اركون الذي حاول من خلال النص القرآني عرض فكره «العلماني الغربي» بتطبيق مفهوم الاسلاميات التطبيقية ومهامها والعقبات التي تعترضها!
كتب وكتابات محمد اركون تحتاج الى «مجموعة علماء» يضعونها على طاولة البحث ويتناولونها بالنقد والرد على كل ما طرحه وأسماه بالمنهجية التاريخية والانثروبولوجية والمنهجية الألسنية السيميائية النقدية التي يتبناها.. هذا هو الرد العملي للطاعنين في القرآن الكريم وما ورد فيه من تشكيك، أحذركم انتبهوا لمثل هذه الكتب.. في أمان الله.