[email protected]
أنا عاشق لقراءة الكتب، خاصة تلك التي تتحدث عن كتاب الله وما ورد في محكم التنزيل من هذه القصص العبرة!
ونصيحتي لقارئي الذي يصحبني يوميا أقول له بكل صراحة إن القراءة أنواع، فالمقال لا يأخذ مني - أي مقال - سوى دقائق، لكن (الكتاب) يحتاج إلى جلسة أو أكثر وربما أيام، فهو بالنسبة لي (ليس كالوجبة ألتهمها في وقت واحد)، وإنما كالدواء لن يكون مفيدا ناجعا إلا في أيام وعلى جرعات!
في العمرة الرمضانية هذا العام اصطحبت الأخ الحبيب شيخي خالد الخراز (أبو الحارث) في جولة مكتبية ولفت نظري كتاب جديد صدر للأخ علي بن جابر الفيفي بعنوان «يوسفيات» فما كان مني إلا أن اشتريته وكتباً أخرى!
الكتاب يأخذك في رحلة قراءة واستدراك وتدبر لكلام الله عز وجل وإمعان النظر في آياته واستلهام الهدايات من إشاراته واقتباس الأنوار من إضاءاته، يقول الله في محكم التنزيل: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أُولو الألباب).
عزيزي القارئ، وأنت تقرأ مثل هذه الكتب يجب أن تتأنى لتدبر آيات الله في كتابه وتحاول أن تفهم فضاءاته الإيمانية الجليلة لمقاصد كتابنا المقدس القرآن الكريم وأن تفرق بين التفسير والتدبر وهما أمران متكاملان، أحدهما مقدمة والآخر نتيجة، فلن يكون التدبر منهجيا رشيدا إلا وقد سبقه فهم لكلام الله عز وجل وتذكر، ولن يكون التفسير علما متجددا حيا ما لم يكن التدبر غايته وإثارة المعاني القرآنية مهمته ومس القلوب بزواجره ومواعظه وهدفه.
قلت إن التدبر هو الغاية من التفسير، فالعلماء والمفسرون في تفسير كلام الله يهمهم أن يدرك القارئ استلهام شيء من هدايات وكنوز هذا الكتاب العظيم.
من منا لم يعش وهو يقرأ القرآن الكريم مع الأنبياء والرسل في سور القرآن ويخشع فؤاده مع مواعظه؟
من منا لم يقرأ سورة يوسف ويعيش في معية يوسف الفتى والسجين والعزيز والأمين؟
أمضينا أعمارنا ونحن نسمع سورة يوسف عليه السلام تلاوة وتأملا وشرحا ومعاني وتفسيرا وعبرة وعظة!
٭ ومضة: سورة يوسف عليه السلام تأخذك من الرؤيا، قال تعالى: (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين).
ثم المؤامرة، قال تعالى: (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين).
وقوله تعالى: (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين)، ثم إلى القصر «كم سلعة أغلى من بائعها»؟
قال تعالى: (وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يا بشرى هذا غلام وأسروه بضاعة والله عليم بما يعملون).
ثم كيد امرأة (البعض يظن أنه إن أعطاك شيئا من دنياه، أنك يجب أن تعطيه شيئا من دينك).
قال تعالى: (وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون).
نبي الله يوسف عليه السلام جبلٌ في وجه العاصفة (إذا جاشت المشاعر.. تخدر الشعور).
قال تعالى: (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين).
وتتوالى أحداث القصة.. ويصبح يوسف خلف القضبان، قال تعالى: (ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين).
ثم تأخذك القصة إلى قلق الملك (عندما تومض بروق المشيئة.. تمطر الذكريات بغزارة).
قال تعالى: (وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي إن كنتم للرؤيا تعبرون).
ثم سقوط الأكاذيب قال تعالى: (وقال الملك ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم).
ثم يكون اللقاء الصعب قال تعالى: (وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون).
وحنين الأخوة وروح تحترق بوالد يوسف قال تعالى: (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم).
ثم استفاقت الذكريات وبدأت ملامح سيدنا يوسف القديمة تتركب في أعينهم وذكريات بئر الجريمة تعصف وبات الموقف ساخنا واللحظات حرجة ثم قول الأب: (إني لأجد ريح يوسف)، وقولهم له: (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم).
ثم الخاتمة باجتماع يوسف وأسرته، وما أعظم العبر من حياة البئر إلى حياة القصر ثم السجن إلى حياة العرش.
٭ آخر الكلام: ما أعظم تلك النفس التي قررت أن تتجاوز عن كل الأخطاء وتتجاوز عن الانتقام والرغبة في التشفي والإحساس بالحق والبغض.. لمَ كل هذا؟ ألستم إخوة؟
٭ زبدة الحچي: مازالت وستكون قصة يوسف عليه السلام معينا لا ينضب يعلمنا الإحساس والحلم والبر والصفح والعفة والنبل والتواضع خاصة ما بين الإخوة وأشياء جميلة جدا في اليوسفيات!
٭ شكراً لأستاذي ومعلمي د.طارق الحبيب، على الرسالة الصوتية التي يقول فيها إنني أُحسن اختيار أسماء مقالاتي وهذه شهادة من معلمي وطبيبي النفسي والاجتماعي بخلقه وعلمه، وأقول: ولا عليك زود أبا محمد، أنت أحد قدواتنا في هذه الحياة يالحبيب.. يا طارق الحبيب.. تسلم.