[email protected]
نحن ذاهبون إليهم عاجلا أو آجلا!
لا مفرّ من زيارة الصليبخات او صبحان أو الجهراء!
أمامه تخرس الألسن، وتقطع الحجة، وترغم به الأنوف، يقتحم هادم اللذات القصور والبيوت وينتزع كل عزيز من أحضان أسرته، لا يستطيع احد ان يعترض عليه وليس من حق احد ان يقول: تمهل!
لا تستطيع مقاومته مهما كانت قوتك ولا يرده عز سلطانك ولا تستطيع ان تشتري نفسك او تفديها ولا مهرب من قضائه مهما كانت حصونك: (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ـ النساء: 78).
اليوم سأتحدث عن «فئة عزيزة علينا» يخدموننا على مدار اليوم ويبذلون كل جهدهم معنا، ومع كل من رحل رجالا ونساء، لأن هذا هو عملهم.. انهم العاملون في «المقابر»، هؤلاء المنسيون منا، فالقليل منا من يكرمهم ويقدرهم لأنهم بكل صراحة «يد كريمة طاهرة» وليسوا من أصحاب «اليد السفلى»!
هم يعملون في مهنة صعبة، فصناعتهم اليومية هي: استقبال «الموتى» وتجهيزهم للتشييع والدفن وإقامة مراسم العزاء في المقبرة، وقد تطورت المقبرة خلال السنوات الأخيرة واصبحت والله «مفخرة» وإنجازا، فكل شيء مرتب بدءا من استقبال جثمان الميت في الاسعاف الى الثلاجة الى الغسل والتكفين باستخدام كل المطهرات والسدر والقطن والشاش والكفن الأبيض والتطييب والتعطير ووضع الجثمان في قبر باتجاه القبلة، والمقبرة عليها «حراس» يحرسونها طوال الوقت ولا يدخلها الزائرون الا في الأوقات الرسمية، والذي يقوم بممارسة اي مخالفة يُنبه، وسط نظام حضاري ولا اروع منه في الواقع المعيش.
أيها القرّاء الكرام، رجالا ونساء، امرنا الله تعالى بالأخلاق والسمو وإعطاء الناس منزلتهم (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ـ فصلت: 46).
ايها الأحباب في الكويت، أنا وأنت الآن في فسحة الحياة نستطيع ان نعمل وان نقدم «الخير» قبل ان يوهن العظم ويضعف البصر ويخف السمع ويشتعل الرأس شيبا وتتجعد الجلود.. احرص، رحمك الله، على إكرام هذه «الفئة ـ الشريحة» من العاملين في المقابر، فهم، والله يقومون بأمر عظيم ودورهم «محمود ومشكور» ويستحقون منا جميعا كلمة «شكرا.. جزاكم الله خيرا» على ادوارهم، كل منهم في موقعه، رجالا ونساء.. وبلسانكم نقول لهم: مشكورين!
٭ ومضة: لا شك ان زيارة المقابر عظة وعبرة ودعاء بالرحمة والمغفرة للأموات، ولا يمنع من «بر» هؤلاء القائمين على أمر المقابر لأنهم «يد» مباركة تعمل بالحلال وهم يحتكون بالزوار بشكل يومي وهناك فئة قليلة لا تحترمهم وليتها تكفيهم شرها!
الحمد لله.. الغالبية من الناس تذكر فضلهم وتعتز بأدوارهم خاصة انهم يتحملون توافد المواطنين والمقيمين (الذين يسمح لهم بالدفن في الكويت) لزيارة أقاربهم وأحبائهم الذين رحلوا.
٭ آخر الكلام: أعجبتني اللافتات التي توجه زائر المقبرة لحفظ النظام والدور وأيضا «منع التصوير وحظر التدخين»!
وخطوة طيبة وحضارية استخدام الاجهزة الذكية وشبكة الإنترنت في النشر عن مواعيد دفن الجنائز صباحا ومساء وحتى ليلا في بعض الأوقات الحارة او شهر رمضان!
ويكفي الكويت «فخرا وأجرا» من الناس ان «كفن الميت مجاني»!
٭ زبدة الحچي
ان كان من شكر فهو موجه لأخي د.فيصل العوضي مدير ادارة الجنائز الذي ادخل تطوير «الحاملات» التي توضع عليها الجنائز وطور من اداء النظام الالكتروني في المقبرة من شاشات وصالات وتبريد واجهزة مثل عربات نقل كبار السن والمرضى!
اليوم بكل صراحة ما عادت «فوضى المقابر» بل نظام حضاري يطبق بكل تنظيم مقدر، ولعل زيارة لجان تنظيم المقابر في بلدية الكويت ساهمت الى حد كبير في جعل عمال النظافة والاقسام الاخرى بعيدة عن «الطرارة»، ولعل خدمة تزويد المقابر بمولدات توليد الكهرباء خطوة حضارية في حال انقطاع الكهرباء عن الثلاجات حفاظا على حرمة الموتى.
ان الذي يرى مدافن المسيحيين واليهود والبوذيين (غير المسلمين) يعرف فعلا ان الكويت بلد يحترم «الموت» ويشهد على التعايش الفريد. وان كان من كلمة اخيرة فهي «الشكر ثم الشكر ثم الشكر» لاخواني كل العاملين في المقابر الثلاثة رجالا ونساء.. بيض الله وجوهكم وما قصرتوا والله يحفظكم من كل الشرور ويرزقكم الخير كله.. شريحة من الناس الأطهار.. تذكروهم لا تنسوهم!
في أمان الله.