[email protected]
واشنطن و«طالبان»..
اتفاق تاريخي في دولة قطر!
مع تزايد الاقتراب من الواقع الأفغاني ومتابعته دعوني أستعرض مشهد المصالحة التاريخية التي شهدتها دولة قطر مؤخرا في بدايات عام 2020.. ودعوني أعرج على الطالبان لنعرف حقيقة الأمر.
شاركت منذ الثمانينيات وما تلاها من أحداث في نقل الوقائع عبر تحقيقات صحافية لـ «الأنباء»، وأنا اليوم استعد لإشهار كتابي: «سنوات الجمر في أفغانستان» وهو موسوعة عن مرحلة احتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان في عام 1979 وما تبع ذلك من أحداث جسام.
وفي ضوء متابعتي لاتفاق الدوحة للسلام، وكصحافي مهتم بالشأن الأفغاني أقول: منذ أكثر من 3 عقود وأنا أتابع أفغانستان لم يستطع بن لادن ولا أمراء الجهاد الأفغاني (الشمال) أن يقيموا دولة الخلافة! فهل يستطيع «الطالبان» تحقيق «إمارتهم الإسلامية المزعومة»؟
لقد رأيت أثناء تغطياتي الصحافية وكتابة تقاريري (الإنسانية المهدورة) في أفغانستان في سنوات الجمر، والله سبحانه يعين أفواج اللاجئين المتضررين من هذه الحروب خاصة الأطفال والأسر بعد أن تعطلت كل عمليات التنمية في أفغانستان!
يدور في رأسي كباحث سؤال: هل الاتفاقية التي وقعت بمعية رئيسها الملا عبدالغني برادر تعني بالفعل هزيمة أميركا، وأنها انتصار للطالبان، وأن الطالبان كحركة مقبلة على تحول تاريخي الى «حزب سياسي» بعد أن يزال تعريفها أنها حركة إرهابية؟
ماذا عن وصايا رئيسها المؤسس الملا محمد عمر؟ وهل يستطيع الرئيس المجدد الملا عبدالغني برادر أن يكون الأب الروحي البديل لهم؟
أنا أتصور أن اتفاق الدوحة لايزال «غامضا» رغم تأكيدات الولايات المتحدة الأميركية ممثلة برئيسها ترامب، أنها تريد تخفيف عدد الجنود الأميركيين من 13 ألفا إلى 8600 جندي من أفغانستان خلال 14 شهرا وتبادل الأسرى وفي غضون 135 يوما، وإخلاء 5 قواعد أميركية من أصل 20 قاعدة في أفغانستان.
الكل يعلم أن أكثر من 2500 جندي قتلوا في هذه الحرب التي كلفت أكثر من تريليون دولار.
الله يعين الشعب الأفغاني منذ عام 1979 وهو في حالة حرب وتشرد ولجوء!
اليوم موعودة أفغانستان من الولايات المتحدة في حال تحول الطالبان الى حزب سياسي مدني الى مزيد من الحرية والديموقراطية والازدهار الاقتصادي أو العكس تماما في جغرافيا الموت والحياة في أفغانستان، والتعهد بقطع العلاقات مع القاعدة ومحاربة داعش.
أنا شخصيا، لا أستطيع التنبؤ بما يحدث في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأميركية.
أفغانستان ومنذ دخول الإنجليز وخروجهم مهزومين ثم قوات الاتحاد السوفييتي وانسحابهم التاريخي منها وهزيمتهم واليوم الولايات المتحدة، استطيع ان اقول بثقة «هذا الشعب صعب المراس وتوقع منه غير المتوقع»!
سألت بالأمس صديقا صحافيا من اليسار الكويتي ماذا تعني لك طالبان؟.. فقال: عمائم وسلاح وأفيون لن تقوم لهم قائمة إلا بقيام الدولة المدنية فقط لأن أفغانستان بؤرة إرهاب!
وعندما سألت صحافيا آخر ذا اتجاهات محافظة قال بثقة: نعم.. الطالبان ستقيم دولة الخلافة!
الطالبان أتذكرهم حركة (طلاب علم) أُدخلوا عالم السياسة على يد رئيس المخابرات الباكستاني حميد غول، وسرعان ما طبقوا الشريعة وأقاموا المحاكم واستتب لهم الأمن، وهذا ما يريده (المواطن الأفغاني) ونجحوا في هزيمة قادة الشمال من المجاهدين الأفغان ونصرائهم من العرب الأفغان، ونجاحهم مآله كله للطوق الأمني الذي حكم كل الفرقاء ووفر الأمن للمواطن الأفغاني البسيط.
لقد تولى الطالبان السلطة 1996 - اذا ما خانتني الذاكرة - بعد دخولهم كابول العاصمة، ثم العالم كله يذكرهم في 2001 عندما اقدموا على هدم تماثيل بوذا في مقاطعة باميان.
أنا اعتقد أن الأقدار رمت بالطالبان نحو مواقع السلطة ومقاعد الحكم وسط مفارقات عجيبة لا يتسع المجال لذكرها لأنني أعرف الخلفيات وما وراء المشهد الأفغاني وآلياته ومساراته.
٭ ومضة: جهود مشكورة لدولة قطر التي بذلت ما في وسعها من اجل عقد هذا الاتفاق التاريخي المصيري من أجل أن تنعم أفغانستان بالسلام والاستقرار، اليوم تطل علينا أفغانستان من نافذة الطالبان بعد ان تمددوا من قندهار الى كابول وهزيمتهم لفصائل الشمال (الجهاد الأفغاني).
السؤال: أفغانستان اليوم لها رئيسان أشرف غني وعبدالله عبدالله نصّبا نفسيهما رئيسين للبلاد.. كيف هذا؟
الطالبان يمثلون اليوم نظام حكم أفغاني خرج من رحم الواقع وهم «جماعة محيرة» التف حولهم الشعب الأفغاني لحاجته الى الأمن والاستقرار، نعم يملكون العلم الشرعي لكن (الحكم) سياسة والسياسة عندهم قليلة لقلة الكوادر السياسية وطغيان القادة الشرعيين فهم السطوة والقوة وأماكن النفوذ.
الصورة والمشهد صعب ان تحلله على وجه السرعة، فرغم كل الحملات التي جاءت لتشوههم تمسك بهم الشعب الأفغاني التواق للحرية وإنهاء الحروب بعد ان شاهدوهم وهم يضبطون أمور (قندهار - كابول) وقد كونوا بالفعل «أنموذجا أفغانيا» جديدا حاز رضا كل القبائل ماعدا الهزار الموالين لإيران.
٭ آخر الكلام: على العموم، الشعب الأفغاني يحترم كثيرا العلماء وطلاب العلم، وكثير منهم بالفعل علماء، وانظروا الى عصر ما بعد الصحابة من حفظ المؤلفات وجدد بالدين الإسلامي، أليس هم علماء أفغانستان وآسيا الوسطى والقوقاز؟.. وهؤلاء ولاؤهم لتركيا وقلة منهم لإيران.
وقد تابعت بعد 4 أيام من عقد الاتفاق إعلان الجيش الأميركي تنفيذ ضربة جوية ضد حركة طالبان الأفغانية في الجنوب ولاية هلمند، ردا على هجوم للطالبان على مقر عسكري للجيش الأفغاني في ولاية قندوز قتل فيه 16 جنديا حكوميا!
٭ زبدة الحچي: إذا ما رضوا بالتحول الى الدولة المدنية وشكلوا حزبهم السياسي فأعتقد انهم سيقيمون (دولتهم الإسلامية) وهذا سيصدم بالواقع الخارجي في حال التطبيق الإسلامي وتشكيل لوبيات معارضة لهم ولدولتهم المزعومة، وتذكروا سطوري هذه.
أعرف وأتابع انهم سيسعون الى الإصلاح المجتمعي وأن لديهم مشروعا للحكم الإسلامي، وهذا المشروع الإسلامي الطموح أتصوره سيقابل بواقع محيط لا يقبل به ولن ينجحه رغم معرفتي بأن الشعب الأفغاني شديد التدين، ولكن دول العالم لن تسمح بقيام دار للخلافة الإسلامية أبدا في الوقت الحاضر، فالعالم لايزال يعيش على ما قام به داعش!
إن استنساخ (دولة إسلامية أفغانية) سيحارب من كل المجتمعات وفي مقدمتها الدول العربية والإسلامية على حد سواء، وستلعب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ما في وسعهما لقبر هذه التجربة الوليدة.
نعم.. هناك عرف أفغاني (لويا جركا) من الأعيان والوجهاء ورجال الدين وهؤلاء فرصتهم البحث عن بديل سلمي، وهناك معضلة صعبة جدا وهي ان الطالبان في جموعهم طلبة علم وقيادتهم من العلماء، وكلاهما له قرار واحد لأن بضاعتهم واحدة، وهذا يضيع الأولويات ويدخلهم في التخبط وهم الآن احوج ما يكونون لرجال السياسة أصحاب الخبرة، وتبقى قضية (المرأة) وهذه معضلة صعبة جدا ما لم يطبقوا أن من الضرورات ما يبيح المحظورات، والأمر كله بيد القبائل خاصة قبيلة البشتون القوية في أفغانستان وباكستان!
وهناك موضوع آخر الفنون والمسرح والسينما وأشكالها كما يسمونها بالمفاسد.
لقد نجح الطالبان في حدود بلدهم ومع شعبهم، لكن خارج أفغانستان هناك من يتربص بهم ويريد إفشالهم بمختلف الطرق ولأنني والله لا أدافع عنهم ولا عن غيرهم إنما أقول الحقيقة عن الواقع المعيش بعد كل الذي شاهدته هناك.
إن أرادوا النجاح عليهم دراسة الماضي كله دون تجزئة، وهذا صعب مع انموذجهم الأفغاني لأنهم اليوم حاملو (لقب الإسلام) وما يأتي سيلقى كله على مشجب الطالبان وهم طلاب العلم الذين اجتهدوا، فهل يستطيعون صنع دولة إسلامية نموذجية؟ ومن ستكون (دار الخلافة) قندهار أم كابول؟
نظرة الشعوب اليوم للملالي صعبة جدا بعد التجربة التي مرت بها أفغانستان على يد بن لادن والأفغان العرب وقادة الشمال!
ولهذا كله حكومات وشعوب تراقبهم.
القضية ليست أفيونا ومخدرات وأحلاما بقيام دار للخلافة الإسلامية، وإنما رجال يتمتعون بقدر وافر من العلم الشرعي، وهذا سينعكس على مقاليد الحكم خاصة تصدير مسمى ناعم باسم الإسلام خطر في نظر الدول والشعوب (الدولة الإسلامية) وماذا سيكون موقف باكستان المرتبط بالدول الإسلامية التي ترفض هذا النموذج الطالباني وهي التي صنعته على يد رجلها القوي حميد قول مدير الاستخبارات الباكستانية؟ وماذا سيكون موقف الطاجيك والأوزبك وغيرهم من التعدد العرقي؟
لقد عايشت الحكومات الائتلافية والمجلس القومي التقليدي (لويا جركا) ومجالس الشورى (أهل الحل والعقد) وما سمي بآيات الرحمن في جهاد الأفغان وقصص الشهداء العرب، وما جرى في الاحتلال السوفييتي وما عقب ذلك من أمور واسرار المعتقلات وملف الاغتيالات في بلاد جبال الهندوكش وسليمان؟
إلى أين تسير أفغانستان؟ الجواب، لا أعرف، لكنني متيقن من شيء واحد شاهدته في حياتي على مراحل طويلة أن أفغانستان لاتزال وستبقى بها زراعة وصناعة الموت تجارة!
هنا سكت قلمي عن الكلام المباح.. في أمان الله.