[email protected]
في الزمن الكوروني، تجرني فترة الحظر الى معرفة المجهول في كل ميدان والسعي وراء كل امر غامض خفيّ للكشف عنه واستجلاء اسراره والتعرف عليه.
الله سبحانه وتعالى أعطانا من ادوات البحث والاستيعاب والموازنة، ورزقنا الحواس التي تتأثر بظواهر الحياة والعقل الذي يترجمها حسب فهمه من اجل القياس والموازنة والفهم الصحيح واتخاذ القرار!
موضوع «الروح» من اشد الموضوعات غموضا، فهي مثار انتباه الناس جميعا في كل الاوقات والعصور والدهور والازمان، لأنها غامضة مجهولة، فالروح مخلوقة من مستوى مغاير لمستوى الادراك الحسي والعقلي، قال تعالى (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ـ الإسراء: 85).
هذا جعل من الغموض والخفاء ما دفع بعض القدماء والمحدثين الى القول بنظرية «تناسخ الأرواح»!
وملخصها يقوم على تعدد دورات حياة الروح على الارض وانتقالها من جسد الى جسد لتلاقي دورة حياة تالية جزاء ما عملت في دورة حياة سابقة، ولا تقوم هذه النظرية على قواعد علمية او على وحي من الله عز وجل وانما على اساطير واستنتاجات لا تستند الى اي برهان او دليل.
في الزمن الكوروني ومع الخلوة مع النفس، تزداد عندي هذه النظرية وأقرأ فيها كثيرا، لكن فهمي يبقى قاصرا على الادلة والبراهين العقلية والحسية حول الروح.
اليوم اطرح القضية للعصف الذهني مع القراء الذين هم مثلي يحبون ان يغوصوا بكل امر صعب بروية ومناقشة الامر بكل موروثه، وهل هو من وسوسة الشيطان؟
مَن دسّ في كتبنا وصحائفنا القديمة اسطورة تناسخ الارواح؟ وكيف وصلت الى عالمنا الاسلامي وكتبه وثقافته وما الهدف من هذا الطرح؟
اسئلة كثيرة تدور في مخيلتي وعقلي وارى ان تكون هناك جهة بحثية محكمة تطرح: التعريف بأنواع التناسخ ـ ونشأة هذه الاسطورة وتطورها من عصر الفراعنة الى الاثر الهندي ـ الاثر الاغريقي ـ الأثر الفارسي وهذا اخطرها على الاطلاق!
لقد لعب التصوف في بيان وانتقال نظرية التناسخ الى العالم الاسلامي! وما اريد طرحه ضرورة بيان موقف الاسلام من التناسخ! وايضا موقف العلم منه!
لقد رأيت في الحياة «قلة» متمسكين بهذه النظرية رغم «اسطوريتها»، لكن تجد من يدافع عنها ويقول انها مرتبطة بالعلم والتحضر والفهم!
قارئي الكريم، دعنا نطرح هذه المساحة من قضية فكرة تناسخ الارواح وبيان اصول هذه الفكرة وكيفية وصولها الى المجتمعات العربية والاسلامية عن طريق الفلسفات والأديان، وايضا الآثار الانسانية المكتوبة في الكتب والمراجع، وما موقف الدين الاسلامي من هذه النظرية التي تثبت حتى اليوم رغم وجود الكثير من الكتابات حولها من الغيبيات؟
قارئي الكريم، أرسل لي تعليقك كي نضيفه الى هذا «المقال» لعلك تثري جوانب انا عجزت عن سردها في هذا الحوار الثنائي معك!
٭ ومضة: تكرار الجسد بعد الموت نسميه باللغة العربية تناسخا!
وكان لفظ التناسخ عند العرب والاقوام الذين قبلهم او بعدهم يعني التداول والتتابع، بمعنى مجيء الشيء بعضه اثر بعض بلا فصل!
تناسخ الشيئين: يعني نسخ احدهما الآخر، وتناسخت الاشياء أي تداولت فكان بعضها مكان بعض، وتناسخت الارواح أي انتقلت من اجسام الى اخرى، ومؤداها ان روح الميت تنتقل الى حيوان اعلى او اقل منزلة لتنعم او تعذب جراء سلوك صاحبها الذي مات (ككلام غير مثبت لا شرعا ولا علما!).
في المعاجم الفلسفية التناسخ هو انتقال الروح بعد الموت من بدن إلى آخر، إنسانا كان أو حيوانا (نفس الكلام غير مثبت لا شرعا ولا علما).
يسمى التناسخ ايضا تقمصا عند البعض، فهو مصدر لفعل تقمص اي لبس القميص، وفاعل هذا الفعل هو الروح، وفي مفهوم العقيدة ان الروح جوهر خالد وهي ازلية باقية، اما الجسد فهو قميصها الذي يبلى ويخرق فتستبدله عندئذ بقميص آخر تنتقل اليه!
هذه النظرية تقوم على تعدد دورات حياة الروح على الارض وانتقالها من جسد الى جسد لتلاقي دورة حياتية جزاء ما عملت في دورة حياة سابقة، فإذا كانت قد احسنت وهي في جسد سابق تقمصت بعد انفصالها بالموت جسدا جديدا تشعر فيه بالنعيم، اما اذا كانت قد اساءت فإنها تنتقل الى جسد تقاسي فيه حياة كلها شدة ومتاعب وويلات!
٭ آخر اللكلام: ما قرأته وعلمته ان انواع التناسخ في هذه النظرية هي عدة مراتب تشمل: النسخ ـ المسخ ـ الفسخ ـ فالنسخ هو انتقال الروح من جسد بشري الى جسد آخر، فهي توالد بين الناس، وسمي نسخا لأنه ينسخ من شخص الى آخر!
٭ زبدة الحچي: هذا الموضوع صعب جدا ويحتاج الى مفكرين شرعيين وعلماء واختصاصيين، لأن نشأة التناسخ وتطوره أتصوره علما «وايد صعب»، لأن علم الروح من امر ربي، لكن الانسان «جبار» يريد ان يعرف «الجسد والروح» وادراك كل متغيراتهما بعد الموت!
وهل الروح اقوى من الجسد؟
يمكن الانسان البدائي السابق كان له تصور لكننا «نحن» اليوم في هذا الزمن (1441هـ ـ 2020م) ما سمي بزمن كورونا فنحتاج الى وقفة «علمية وشرعية» في هذا البحث الذي طال الجدل حوله وسيظل الحوار مفتوحا!
على مر التاريخ، طرح الهنود قضية تناسخ الارواح وتجوالها بين الاجسام!
وفي الحضارة الاغريقية الافلاطونية اقروا بالتناسخ وبالثواب والعقاب في ادوار التجسيد!
اما الاثر الفارسي فقالوا بنظرية التناسخ وهي نوعان: ارواح الصديقين وارواح اهل الضلال! وكلاهما حين يصل الى درجة الصفاء يلتحق بالنور الاعلى!
اول من اثار هذه القضية هم السبئية (تنسب الى عبدالله بن سبأ) فقد قالوا ان عليّا صار إلها حين حل روح الإله فيه!
وسبحان الله، من يرى الاعلام العربي اليوم يتذكر عبدالله بن سبأ (لعنة الله عليه) هو رأس المخططات اليهودية من عهده الى اليوم، وهو الذي ابتدع كل الاشكالات والتأويل!
قناعتي ان الروح مشغولة بصاحبها، محبوسة له او عليه، لا تنصرف عنه لتسكن جسدا آخر، وسترجع الى صاحبها يوم القيامة لتنال جزاءها إما الى الجنة واما الى النار!
في أمان الله...