بحكم عملي سافرت إلى عشرات البلدان وأقمت في مختلف أنواع الفنادق الحديثة والقديمة والأثرية، بل بعضها أعتقد أنها كان مقررا هدمها قبل سكني لها بأسابيع، وسكنت الخمس نجوم والنصف نجمة والناقص نجمة وحتى مشاركة السكن في الرحلات الميدانية المشتركة، واكتشفت أنه بتغير أماكن السكن كانت تتغير طبيعة المكان كلية معها أشعر بأن كل شيء يتغير معها حتى الأفكار العابرة، إلى درجة وصلت إلى قناعة أن لكل فندق.. روحا، تشعر بك وتحس بها وتسكنك أو يسكنك شيء ما منها ومن عبق ذكرياتها ومن ذكريات من سبقوك إلى السكن في الفندق قبلك منذ افتتاحه حتى حلولك ضيفا فيه، ذكرياتهم لمسات أيديهم على الجدران استعمالاتهم لمرافق الفندق ربما حتى تسمع خطوات من سبقوك ممن مروا قبلك بعشرات السنين، وتجعلك تلك الروح المكانية تستحضر همسات من مروا قبلك وأحاديثهم وهمهماتهم وضحكاتهم.
***
لكل فندق روح، لكل مكان روح، حالما تحل به تستشعرك وتستشعرها، من هنا تظهر قناعتنا القديمة عندما نسكن مكانا أو ننزل بمكان وتقول «ارتحنا» أو «ما ارتحنا» للمكان، وأعتقد أن هذا هو سر أرواح الأمكنة، إما أن تقبلك أو لا تقبلك أو العكس أن تقبلها انت أو لا تقبلها، بالأصح أن ترتاح لها أو لا ترتاح لها، لذا تكون أماكن سكن المسافرين الفنادق ونحوها الأكثر وضوحا في إظهار شيء من روحها، أو هكذا نراها ونحن نتخيل من سكنوها قبلنا وتركوا شيئا من ذكرياتهم فيها.
***
مؤخرا اكتشفت أن هناك فنادق ميتة، فنادق بلا روح، مجرد مبنى وموظفين، مبنى رغم بنيانه الفخم وتصميمه الراقي والحديث وموظفيه الودودين البشوشين وأركانه المخملية، إلا انه يخلو من أي روح، مجرد حجر جميل، مررت بفندق كهذا وحاولت أن أعرف سر هذا الفندق الميت الخالي من الروح على الرغم من أنه كان مزدحما يومها ويفترض أن هؤلاء ومن مروا وسكنوا قبلهم فيه تركوا شيئا من أرواح ذكرياتهم، لكن وجدت الفندق باردا موحشا يكاد يكون خاليا رغم ازدحامه بالمسافرين والضيوف والمارة.
***
حاولت أن أبحث عن السر، وأن أعرف سر هذا الفندق الميت، أعني استوقفني السؤال طويلا، وكان سيبقى السؤال معلقا لولا أنني وخلال دردشتي مع أحد الموظفين كشف لي أن الإدارة العليا للفندق استغنت قبل نحو العام عن كل الموظفين ممن تجاوزوا الـ 65 من العمر وتم استبدالهم بطواقم شابة من الاستقبال وحتى عمال النظافة.
***
هنا عرفت سر موت الفندق ووحشته.
***
توضيح الواضح: الآن نعرف لماذا نقول «إن البيوت التي تخلو من كبار السن... ما فيها بركة».
[email protected]